ماذا يريدون لهذا البلد، كلما تقدمنا خطوة عدنا إلى نقطة الصفر من جديد، لم يلبث أن يشعر المواطن ببصيص من الأمل إلا وتحول هذا الأمل إلى جحيم، لم يهنأ بشىء من الأمن إلا وعاد الخوف يسيطر على كل جنباته، من محمد محمود إلى ماسبيرو والمجمع العلمى ثم مجلس الوزراء، وأخيرا بورسعيد، فما رأيناه بالأمس عندما تحولت مباراة كرة قدم إلى حرب شوارع راح ضحيتها أكثر من سبعين قتيلاً ومئات المصابين، والذى تزامن فى نفس الوقت مع حريق إستاد القاهرة، ينذر بأن شيئا يدبر ضد نجاح الثورة وتحقيق أهدافها، ويتحدى تقدم هذا البلد، وأن هناك من لا يريدون لهذا البلد أن تقوم له قائمة أو يخطو خطوة إلى الأمام، ونراهم يتحدثون بعد كل كارثة عن ذلك اللهو الخفى، الذى يعلقون عليه فشلهم فى كل مرة، ويطالبوننا أن نصدقهم، ولم نتمكن من معرفة ذلك اللهو الخفى أو من يقف وراءه أو من يموله.
كلاكيت عاشر مرة فى مباريات الأهلى والمصرى، تعودنا من الجماهير البورسعيدية الشغب ونزول أرض الملعب، تحولت مباراة لكرة القدم إلى حرب شوارع دون تأمين من الداخلية، رغم ما أعلن فى الصحف وطمأن جمهور كرة القدم وغيرهم باشتراك الجيش والداخلية فى تأمين هذه المباراة، غاب التأمين وانعدم الأمن، فما شاهدناه على شاشات الفضائيات وما وضح من إحصائيات أعداد القتلى يؤكد أنه لا يوجد أى تأمين لمباراة يحضرها اثنا عشر لاعبا فقط وليس آلاف المشجعين، وإلا كيف دخلت الأسلحة البيضاء أرض الملعب من سنج ومطاوى.
اعتدنا فى مثل هذه المباريات أن نجد على رأس الحضور مدير الأمن والمحافظ وقيادات الأمن الذين لم يكلف أحدهم نفسه ويهتم بتأمين مباراة بحجم هذه المباراة، كما لم نلحظ دورا لقوات الأمن المركزى المتواجدة خارج الملعب، إلا مشاهدة المباراة والاستمتاع بمناظر الدموية بعد انتهائها، فماذا كان دورها إذن؟. هل كان دورها مجرد الوقوف فى صف مستقيم خارج الملعب، أم كان دورها الاستمتاع بالمناظر الدموية التى تراق بين أبناء الوطن الواحد، أم كانوا ينتظرون الأوامر من القائد المباشر التى تأخرت كثيرا كما تعودنا منهم.
هل يكفى لمحاسبة المسئولين هنا عن إراقة هذه الدماء أن يتم نقل مدير الأمن، هل مجرد نقل مدير الأمن يداوى قلوب أمهات هؤلاء الشباب الذين قالوا على أيدى زملائهم لمجرد أنهم أتوا لمشاهدة مباراة كرة قدم؟ وهل يكفى أن يخرج علينا المجلس العسكرى الحاكم ليعلن الحداد على ما حدث بدلا من أن يعاقب المتسببين فى هذا الجرم الذى وقع بحق كل مصرى.
لا أتصور حال أسر هؤلاء عندما سمعوا خبر موت أبنائهم، وكيف استقبل كل أب نبأ موت ابنه وهو فى ريعان شبابه، وكل أم انتظرت عودة ابنها وفوجئت به محمولا على الأعناق، لمجرد أنه ذهب لمشاهدة مباراة مع أصدقائه، فهذا المشهد الدموى أبكى ملايين القلوب.. لقد كرهت كرة القدم التى تقتل محبيها، نعم كرهت الرياضة بأكملها، إن كانت ستقتل أبناء الوطن الواحد، بأيدى أبنائه، إن كان الحال هكذا فلا لكرة القدم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة