أقولها صراحة إننى لم أكن مرتاحا للدكتور عمرو حمزاوى منذ ظهوره على الساحة مع انطلاق الثورة المصرية العام الماضى، وكان لدى تحفظات عليه، وذلك بسبب عمله السابق مع مؤسسة كارنيجى الأمريكية التى لدى على نشاطها تحفظات تتعلق بنشاطها فى روسيا بالتحديد، كما أننى لم أعر أى اهتمام لأخبار زواج حمزاوى من الفنانة بسمة التى لم أكن أعرفها جيدا ولم أتابع "للأسف" نشاطها الفنى، وأقول "للأسف" لأننى بعد قراءتى لمقال الأستاذ محمد منير فى "اليوم السابع" الذى تناول فيه دور اليهود المصريين فى الحركة السياسية المصرية، فوجئت أن بسمة هى ابنة الأستاذ الصحفى أحمد سيد حسن، وابنة السيدة الفاضلة والناشطة السياسية الأستاذة ناولة درويش، وتذكرت بسمة وهى طفلة صغيرة عمرها نحو ست سنوات وهى تقفز وترقص وتغنى وتملأ المكان صخبا ومرحا فى شقتهم فى باب اللوق خلف الجامعة الأمريكية، حيث كنا نلتقى مع مجموعة كبيرة من الأصدقاء من مختلف الاتجاهات والتيارات السياسية التقدمية فى مصر آنذاك، وكانت هذه اللقاءات تتكرر كثيرا آنذاك فى بيوت أصدقاء آخرين، حيث لم يكن هناك مكان عام يمكن أن نجتمع أو نلتقى فيه بحكم أننا كنا جميعا تقريبا من المغضوب عليهم والمراقبين من جهاز أمن الدولة العتيد.
بالقطع أن بسمة لا تتذكرنى لأنها كانت صغيرة، وربما السيدة ناولة أيضا لا تتذكرنى لأننى غبت عن مصر بعد ذلك لنحو ربع قرن أو أكثر، لكننى بصراحة أصبت بـ "ألم شديد" و"حسرة" فى نفس الوقت عندما قرأت مقال الأستاذ محمد منير الذى تناول فيه الاتهامات التى يوجهها البعض لبسمة بأن أصولها يهودية، وألمى الشديد هذا يرجع لأننى أعرف جيدا والد أم بسمة يوسف درويش المحامى والمناضل السياسى المصرى اليهودى الأصل، وأعرف سيرته السياسية المشرفة ونضاله طيلة حياته من أجل قضايا شعبه المصرى، يوسف درويش الذى لم يجرؤ أحد من قبل على التشكيك فى ولائه وحبه لوطنه مصر وفنائه حياته كلها من أجلها، أما حسرتى، إن صدق التعبير واللفظ، فهى على الزمن الذى ولى عندما كنا فى مصر نناضل جميعا كمصريين أبناء وطن واحد جنبا إلى جنب المسلم والمسيحى واليهودى والعلمانى والليبرالى، كلنا جميعا كنا جبهة واحدة ضد النظام الحاكم الفاسد، ولم يكن أحد منا يجرؤ، كما يحدث الآن، على تخوين أو تكفير الآخر، لأننا بالفعل كنا نشعر أننا جميعا أبناء وطن واحد وأصحاب قضية واحدة، ولم نكن بحاجة للحديث الخطابى والإعلامى حول الوحدة الوطنية التى تربط أبناء الشعب المصرى، لأننا كنا بالفعل نعيش هذه الوحدة الوطنية بطبيعية وتلقائية متناهية، وكنت أعرف أن ناولة درويش هى ابنة يوسف درويش المحامى والمناضل المصرى اليهودى الأصل، ولم يلفت هذا الأمر انتباهى لحظة واحدة، وقد حزنت بصدق عندما سمعت نبأ وفاة يوسف درويش عام 2006 مثلما حزنت لسماع نبأ وفاة المحامى والمناضل المصرى الكبير شحاتة هارون اليهودى الديانة عام 2001، والذى كنت أعرفه جيدا بحكم عملى فى المحاماة ومشاركتى فى نضال نقابة المحامين فى عهد السادات ضد التطبيع مع إسرائيل، هذا النضال الذى كان شحاتة هارون ويوسف درويش من رموزه البارزة، وقد تصادف وجودى فى مصر صيف 2007، وحرصت أشد الحرص على حضور حفل التأبين الذى أقامته نقابة الصحفيين للمناضلين الكبيرين "أحمد نبيل الهلالى" و"يوسف درويش"، والآن، وبعد ثورة 25 يناير التى أزاحت الكابوس وأيقظتنا من الغيبوبة الطويلة، نفاجأ بمن لم نسمع عنهم من قبل ولم نرهم إلا بعد سقوط حسنى مبارك يزايدون علينا ويتهمونا بالكفر ويهاجمون رموز النضال المصرى المشرفة على مر التاريخ، لقد شعرت بصدق أن الإهانة ليست للفنانة بسمة بل لجيلنا وللأجيال السابقة علينا، هذه الأجيال التى لم تعرف مطلقا التفرقة بين المصريين بسبب انتمائهم العقائدى أو الفكرى، بل كان معيار التفرقة الوحيد هو الحب والولاء الكامل للوطن.
أتحدى من يتهمون الفنانة بسمة فى أصولها اليهودية أن يقدموا لمصر ولو جزء بسيط مما قدمه جدها اليهودى الأصل يوسف درويش، وأنتهز الفرصة لأقدم تهانيا للعروسين، وأيضا اعتذارى للأستاذ عمرو حمزاوى عن سوء ظنى وفكرتى السابقة عنه، والتى تغيرت بالفعل وبدون مجاملة، وذلك لسبب بسيط، وهو أن من يتزوج حفيدة يوسف درويش وابنة ناولة درويش وأحمد سيد حسن لا يمكن أن يكون ولائه للأمريكان.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة