كل عام يخرج علينا بعض تجار الكراهية والطائفية بفتوى مرتين: الأولى فى عيد الميلاد والثانية فى عيد القيامة، بتحريم معايدة المسيحيين، الذين يحلو لهم وصفهم بالنصارى، وهذه العادة للحق ليست وليدة زمن الإخوان، لكنها بدأت منذ عهد السادات، وترسخت خلال عصر مبارك، وتبجحت فى ظل حكم مرسى، لأن من يطلق هذه الفتاوى من حلفائه، وبالتالى فهم مطمئنون بأن أحدا لن يحاسبهم، وتأتى فتوى هذا العام بعد اتهامات أطلقها قادة فى جماعة الإخوان بأن 60% من المتظاهرين أمام قصر الاتحادية من «النصارى» ولا أفهم كيف توصلوا لهذه النسبة، هل قاموا بإحصائهم مثلا، أم أن الأمر محاولة لإسباغ سمة طائفية على مظاهرات شعبية عفوية، رأيت بعينى فيها منتقبات ومحجبات، ووثقت ذلك كاميرات الفضائيات.
فى 12 أغسطس 2008 كتبت فى صحيفة «المصرى اليوم» مقالا بعنوان «النهارده السبت وبكره الحد» حذرت فيه مما يحدث الآن للمسيحيين من ممارسات تجعل وجودهم فى مصر موضع تساؤل، فمخاوفهم مشروعة، ودعونا من تلك الطمأنات الجوفاء فهناك موجة جديدة من هجرة المسيحيين سواء للخارج، أو للداخل فى هيئة «جيتو» تراه فى المدرسة والجامعة والعمل وحتى فى السكن، فالمسيحيون يشعرون الآن بالغربة داخل وطنهم، نتيجة تلك الفتاوى التى تعمق الفرز الطائفى فى المجتمع. وفضلا على ما يعانيه المصريون من توجس وقلق نتيجة الانقسام العميق بين أطيافه، والتدهور الاقتصادى والانفلات الأمنى وغيره، فهناك «فاتورة إضافية» يدفعها المسيحى تتمثل فى ذلك المناخ الطارد والتحريضى ضده، والكارثة أن من يهاجرون إما أصحاب ثروات أو كفاءات، وحتى لا يكابر أحد فى هذا فليتجول أمام السفارات الأجنبية ليرى بعينه طوابير طالبى التأشيرات، وغالبية هؤلاء لا يعتزمون العودة لمصر ثانية.
فى تقرير حقوقى بعنوان «الأقباط تحت حكم العسكر» أعدته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، ورصدت فيه وقائع عام ونصف من انتهاكات وجرائم كان الأقباط ضحيتها خلال المرحلة الانتقالية منذ اندلاع ثورة 25 يناير 2011 حتى تسليم المجلس العسكرى السلطة للرئيس مرسى، كانت مرحلة دامية شهدت وقائع غير مسبوقة بلغت ذروتها فى «مذبحة ماسبيرو» التى كنت شخصيا شاهد عيان على وقائعها يوم 9 أكتوبر 2011، وكانت حصيلتها 25 شهيدا، و330 مصابا.
فى السنوات الأخيرة، لحكم مبارك تصاعدت وتيرة العنف الطائفى واتسعت رقعتها وشهدت تحولا نوعيا بحادث كنيسة القديسين بالإسكندرية التى تعرضت فى الساعات الأولى عام 2011 لتفجير راح ضحيته 24 شهيدا وعشرات الجرحى، ولم يزل يكتنف ملابساتها غموض حول هوية الجناة، وشاعت الاتهامات فيها بين تنظيم إرهابى فلسطينى ومخطط قيل إن وزير الداخلية الأسبق حبيب العادلى دبره فى سياق العبث الأمنى بالمسألة القبطية.. وحين أطاحت الثورة بنظام مبارك خيمت فى البداية أجواء رومانسية تفاءل خلالها الأقباط، لكن ما حدث بعد ذلك لم يكن أفضل، بل على العكس فقد انزلقت الأوضاع للأسوأ، ووصلت لحد حرق وهدم الكنائس على رؤوس الأشهاد، وقتل عشرات الأقباط فى عدة حوادث، والأدهى من ذلك كله غياب القانون، لتحل محله جلسات عرفية يديرها شيوخ ينتمون للتيار السلفى الذى يحمل عداء صريحا لكل ما هو قبطى، ليصبح هؤلاء الخصم والحكم، وترعى السلطة هذه المهزلة بسلبية متواطئة.. المخجل فى المسألة القبطية أنها تدحرجت من صفوف المتطرفين لتصل للبسطاء فى الشارع، الذين صاروا يتبنون أفكارا معادية للأقباط، وذلك بالطبع نتيجة للشحن الطائفى الذى يمارسه بعض الشيوخ المتطرفين، وأصبحت للأسف فكرة المصرى المتسامح مجرد ذكرى من الماضى، وصورة فولكلورية علينا أن نعترف بعدم وجودها على أرض الواقع، فالاعتراف بالمرض هو الخطوة الأولى للعلاج، هذا لو توافرت الإرادة السياسية الجادة للتصدى لأحد أخطر تحديات نظام الحكم الجديد، وهو ما أشك شخصيا فيه، داعيا الله أن يخيب ظنى، فليس كله إثما.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة