دون مقدمات، دعونا نعترف بأن مصر تمر بحالة استقطاب حادة وانقسام خطير بين المصريين، ولعلنا لا نتحامل على أحد حين نرى أن الرئيس مرسى وبطانته من قادة جماعة الإخوان هم الذين تسببوا فى ذلك، بما يوصف بالإعلان الدستورى الذى قسمنا إلى شعبين، الشعب المصرى و«الشعب المرسى»، وليس مستبعدا أن ننزلق لمواجهات نتمنى ألا تحدث، فليس هناك ما هو أسوأ من إراقة دماء مصريين بيد مصريين.
من الناحية القانونية هناك تفسيرات لا تنتهى، فقهاء دستوريون مرموقون يرون ذلك الإعلان منعدما، بينما يبرر أنصار مرسى الأمر بأنه لحماية الثورة ووضع مؤقت.
وكالعادة سخر المصريون من هذه التبريرات بأنها «دكتاتورية مؤقتة» ستنتهى بمجرد الاستفتاء على الدستور، الذى تفصله هيئة مطعون فيها ويمكن أن تلغى بحكم قضائى، لهذا سارع مرسى بتحصينها ومعها مجلس الشورى وقراراته السابقة واللاحقة، والسؤال: ماذا لو رفض الشعب الدستور، هل سينتهى مفعول «إعلان مرسى»؟.
والإجابة بالنفى، فسيستمر العمل به حتى يوافق الشعب وهو ما يعنى أن الرئيس وجماعته وعشيرته لم يكتفوا بالتغول على القضاء، والتكويش على كل السلطات، وإقصاء معارضيهم، بل وصل بهم التبجح لحد المصادرة على الإرادة الشعبية، فإما الموافقة على دستور الإخوان، أو سيبقى مرسى قابضا على جميع السلطات بلا حسيب أو رقيب ومن يعارضه سيتم اغتياله معنويا بتهم العمالة والتكفير، وليس مستبعدا حبسه وربما تصفيته جسديا فى عمليات قذرة.
المسألة ببساطة أننا أمام صراع إرادات سياسية، بين سلطة تتجه لتكريس فاشية دينية تتغول على استقلال القضاء، وترهب معارضيها، وتلوح باستخدام أنصارها كأنهم ميليشيات لقمع الشارع ربما تقودنا لمستنقع الحرب الأهلية.
فى الجانب الآخر يقف الثوار وقد أدركوا أن الإخوان يسرقون حلمهم الجميل لينحوا خلافاتهم ويصطف المسيحى والمتصوف واليسارى والليبرالى وغيرهم ضد شهوة الإخوان فى التسلط على البلاد والعباد، يدعمهم موقف صلب لقضاة مصر الشرفاء الذين يصر الرئيس وعشيرته على معاداتهم وتدجينهم وحتى محاولة اختراقهم بنفر ممن خرجوا على إجماع الهيئة القضائية.
فى ثلاثية نجيب محفوظ يهيم «سى السيد» بامرأة ساقطة فى إحدى نزواته فيمنحها بضائع بلا حساب رغم كونه موشكا على الإفلاس، وحين يسأله العامل عن أى بند يقيدها فيرد بخلاعة: «بضاعة أفسدها الهوى»، وكأن محفوظ ببصيرته التى تنبأ بها بوصول الإسلاميين للسلطة يرى الآن ثورة الحريات يفسدها الإخوان بهون التسلط الذى سيهوى بصاحبه لسوء العواقب التى يخشاها كل وطنى شريف وهى الحرب الأهلية، وهذه مخاوف مشروعة تبررها رعونة العشيرة وكبارهم الذين أفسدهم الهوى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة