أحمد بان

الدستور المصرى وولاية الفقيه

الجمعة، 14 ديسمبر 2012 11:12 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تعد مصر من أقدم دول العالم المركزية التى قد خطت خطوات واسعة فى سبيل أن تكون دولة مدنية ديمقراطية حديثة، واستقرت مؤسسات الحكم فيها، عبر تاريخ ملكى وجمهورى، على ثلاث مؤسسات تنفيذية وتشريعية وقضائية، تعمل منفصلة دون أن تتغول إحداها على الأخرى، كما احترمت دوما حق الرقابة الشعبية التى جسدتها سلطة الضمير ممثلة فى الصحافة وكافة وسائط الإعلام الحديثة.

وكان من دلائل ومظاهر سيادة الشعب وسلطته التى يمارسها برلمان يشرع باسم الشعب، وفقا للدستور الذى يكتبه ممثلو الشعب المنتخبون بشكل حر ونزيه، وبما يعبر عن الطيف الواسع لهذا الشعب الذى اعتز دوما بوجود سلطة قضائية تحافظ على الدستور وتصونه من العبث، هى المحكمة الدستورية العليا، المخولة بتفسير نصوص الدستور ومطابقة كل القوانين التى تصدر عن البرلمان لقواعده، وحافظت الأعراف القضائية والتشريعية فى مصر، على انتخاب قضاة هذه المحكمة الدستورية العليا من بين أرفع قضاة كل الهيئات القضائية أو ترشيح مجلس القضاء الأعلى، هذه حقائق نجد أنفسنا مضطرين للتذكير بها فى مواجهة واقع جديد يحاول الإسلاميون الجدد الذين يحكمون مصر تكريسه، باختطاف الدولة وإعادة بناء مؤسساتها على نحو جديد يقفز على تاريخها وتضحيات أبنائها الذين ثاروا فى يناير ليقفز الإسلاميون على الحكم فى النهاية، ويحاولون تأبيد وجودهم فى الحكم، عبر نصوص الدستور الذى سيستفتى عليه الشعب فى الخامس عشر من ديسمبر الجاري، بما يؤسس لسلطة جديدة فوق هذه السلطات التى تحدثنا عنها.

حاول إسلاميو الحكم عبر نصوص هذا الدستور التأسيس لدولة تقترب من نموذج ولاية الفقيه فى إيران، والمدهش هو هذا التطابق بين بعض نصوص دستورى مصر، والجمهورية الإسلامية الإيرانية.

ففيما يتعلق بحق التشريع الذى هو حق أصيل للأمة عبر نوابها المنتخبين، وفى ظل محكمة دستورية تراقب التشريعات، لتقرر مدى مطابقتها لمواد الدستور، بحيث تبقى الدوائر المعنية بالتشريع هى البرلمان والمحكمة الدستورية وسلطة الشعب، نجد المادة 73 من الدستور الإيرانى:
"شرح القوانين العادية وتفسيرها يعتبران من صلاحيات مجلس الشورى الإسلامى. ومفهوم هذه المادة لا يمنع القضاة من تفسير القوانين فى نطاق تشخيص الحق، يتم تشكيل مجلس باسم مجلس صيانة الدستور، بهدف ضمان مطابقة ما يصادق عليه مجلس الشورى الإسلامى مع الأحكام الإسلامية والدستور".
تلك المادة تجعل السلطة والمرجعية العليا فى تفسير القوانين هى لمجلس تشخيص مصلحة النظام الذى هو تجمع علماء المذهب الشيعى، حيث لا يوجد محكمة دستورية عليا فى إيران.
على الجانب الآخر فى مشروع الدستور المصرى نجد المادة 176 "تشكل المحكمة الدستورية العليا من رئيس وعشرة أعضاء ويبين القانون الجهات والهيئات القضائية أو غيرها التى ترشحهم وطريقة تعيينهم والشروط الواجب توافرها فيهم ويصدر بتعيينهم قرار من رئيس الجمهورية".
بتحليل مفرداتها نجد أن إرادة من كتبوا الدستور تتجه لاحتمال من اثنين، إما إلغاء أو تهميش دور المحكمة، أو إعادة تشكيلها بحيث تتحول إلى هيئة شبيهة بمجلس تشخيص مصلحة النظام، حيث يكشف النص الذى يقول، يبين القانون الجهات والهيئات القضائية أو غيرها التى ترشحهم، فما المقصود بالجهات أو غيرها، إلا إذا كان فتح الباب لتغيير تشكيلها، لتتحول الأغلبية عن القضاة لغيرهم من الفئات، يمكننا فى هذا السياق فهم دوافع حصار الإسلاميين لمقر المحكمة فى مصر، وإطلاق حملة من الشائعات حول قضاتها، واتهامهم بالعمل فى السياسة، فى إطار خصومة بين التيار الحاكم والمحكمة التى قضت بعدم دستورية قانون الانتخابات، وأبطلت عمل برلمان كان للإسلاميين أغلبية مقاعده، وهكذا يتحول الدستور لأداة لتصفية الحسابات، لدى تيار يبدو إدراكه لفكرة الدولة الحديثة محل شك.
نعود لنصوص ثلاث مواد، تم تفريقها فى مشروع الدستور المصرى فى المواد 2، 4، 219 عندما نجمع المادة من نصوص المواد الثلاثة تكون صياغتها كالتالى:
الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، ويؤخذ رأى هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف فى الشئون المتعلقة بالشريعة الإسلامية، مبادئ الشريعة الإسلامية، تشمل أدلتها الكلية، وقواعدها الأصولية والفقهية، ومصادرها المعتبرة، فى مذاهب أهل السنة والجماعة.

نظيرها فى المادة الثانية عشرة من الدستور الإيرانى:
"الدين الرسمى لإيران هو الإسلام و المذهب الجعفري، الاثنى عشرى، وهذه المادة تبقى إلى الأبد غير قابلة للتغيير".

نلاحظ أن السلطة النهائية هى لرجال الدين، وتحديدًا رجال المذهب، فهى فى الدستور المصرى مذاهب أهل السنة، وفى الدستور الإيرانى، المذهب الشيعى.

لدينا فى كل من مصر وإيران سلطة جديدة نشأت إلى جانب سلطة الدولة، هى سلطة المجتمع، تأمل معى نص المادة العاشرة من الدستور المصرى، "الأسرة أساس المجتمع قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة والمجتمع على الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية وعلى تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها الأخلاقية وحمايتها، وذلك على النحو الذى ينظمه القانون".
وللمصادفة تحمل نفس رقم المادة العاشرة فى الدستور الإيرانى:
"حيث إن الأسرة هى الوحدة الأساسية فى المجتمع الإسلامى فيجب أن يكون هدف جميع القوانين والقرارات والبرامج المرتبطة بالأسرة تيسير بناء الأسرة والحفاظ على قدسيتها وتمتين العلائق العائلية على أساس الحقوق و الأخلاق الإسلامية".
كلا الدستورين ينشأ سلطة جديدة، هى سلطة الولى الفقيه الذى هو فى الدستور المصرى هيئة كبار العلماء، وفى الإيرانى مجلس تشخيص مصلحة النظام.
هاتان مادتان قارنا بين آثارهما فى أهم وثيقة، حيث يعبر التطابق بينهما فى المبنى والمعنى، عن توجه واضح نحو دولة دينية، السلطة الحقيقية فيها لرجال الدين، ليس لرجال الدولة، أو ممثلى الشعب، بما يعكس ردة واضحة عن فكرة الدولة الحديثة، واختباء الدولة الدينية واحتمائها فى أهم وثيقة فى حياة الأمة، بحيث يبقى الدستور مظلة لمشروعهم السياسى سواء امتلك الإسلاميون الأغلبية أم لم يمتلكوا، وهكذا يبدو التطابق بين تجربة الدولتين فى الحكم، لن يبقى فى إطار التشابه بين ما آلت الثورة فى البلدين، عندما دفعت القوى المدنية الثمن، بينما قبضت القوى الدينية على الحكم، الفارق الوحيد ربما حتى الآن، إن الفريق السنى فى مصر تحلى بالتقية فى النصوص، بينما تخلى الفريق الشيعى فى إيران عنها، عندما قرر أن يأخذ بولاية الفقيه، ويعبر عن ذلك بنصوص واضحة فى دستوره.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة