سألنى صديق روسى، يعمل فى دبى منذ أكثر من عشر سنوات، "هل صحيح ما سمعت حول وجود تنظيم سياسى معارض فى الإمارات؟"، ولم ينتظر إجابتى مكتفيا بابتسامتى بسخرية، فتابع حديثه قائلا: "أتدرى عندما سمعت أن هناك معارضين سياسيين فى الإمارات ماذا تذكرت؟"، قلت: ماذا؟، قال: "تذكرت نكتة قصيرة من ثلاثة كلمات يرددها الروس عند الحديث عن شىء شاذ وغير معقول"، تقول النكتة "وجدوا يهوديا فقيرا"، فى روسيا لا يتصورون أن فى العالم يوجد يهودى فقير، وصديقى الروسى لم يتصور أن فى دولة مثل الإمارات التى يعد مستوى دخل الفرد فيها من أعلى الدخول فى العالم إن لم يكن أعلاها بالفعل، وتوفر فيها الدولة لكافة مواطنيها كل ما يلزمهم من وسائل "الرفاهية المعيشية"، وتوفر لهم المسكن والتعليم المجانى والعمل بأعلى الأجور وأعلى مستويات التأمين الصحى، وأعلى مستويات الأمن والآمان، أنا يكون فيها تنظيم سياسى معارض، وماذا يريد هذا التنظيم؟
وعاد صديقى الروسى يسألنى عن التوجه والانتماء السياسى لهؤلاء المعارضين، وكانت دهشته أكبر عندما أخبرته بأنهم ينتمون إلى تنظيم "الإخوان المسلمين"، لكنه هز رأسه وكأنه أدرك سر اللغز، فعاد يقول لى بهدوء "إنه الإسلام السياسى يا صديقى، هذه السلعة الفاسدة التى يستخدمونها الآن لفرض الهيمنة والنفوذ والضغط على الدول".
حقا.. ماذا يريد الإخوان المسلمون فى دولة مثل الإمارات يضاهى فيها عدد المساجد وحجمها وفخامتها عدد المساكن والمبانى الأخرى، دولة يعم الخير كل المقيمين على أراضيها من مواطنين ووافدين ولا يوجد فيها فقير ولا جائع، ويمتد خيرها إلى كافة بقاع الأرض، دولة لا تعرف الظلم ولا الجور على الحقوق والحريات، ويعيش فيها بشر من أكثر من مائة وخمسين جنسية أجنبية لا يشعرون فيها بأى انتقاص فى حقوقهم، دولة يسود فيها القانون على الكبير قبل الصغير، ويشعر فيها الأجنبى بأمن واحترام لكيانه وكرامته لا يشعر به فى بلاده.
لا يتسع هنا المجال للحديث عن مميزات دولة الإمارات ولا مستوى التقدم والنهضة الحضارية المبهرة التى حققتها هذه الدولة، التى لا يزيد عمرها عن أربعة عقود فقط، وكل من زار هذه الدولة يشهد بذلك، وليس هدفى من مقالى المدح فى الإمارات التى أعمل وأعيش فيها، وإلا كتبته للجريدة التى أعمل بها فى دبى، لكننى كتبته للقارئ المصرى وفى هذا التوقيت بالتحديد، حتى نعلم ونوضح أهداف ونوايا هذا التنظيم العالمى للإخوان المسلمين ومن ورائه.
عدد أعضاء هذا التنظيم السرى الذى يحقق معه الآن فى الإمارات أقل من سبعين فردا، ويتمتعون بكامل حقوقهم فى التحقيقات القضائية على أعلى مستوى، ولو كانوا فى دولة أخرى مثل مصر أو غيرها لندموا على اليوم الذى ولدوا فيه، لكن دولة الإمارات الحديثة المتحضرة التى لم تعرف من قبل أى قضايا لمعارضة أو تنظيمات سرية، لا تعرف أجهزتها الأمنية أساليب القمع والترهيب والتعذيب المتعارف عليها فى الدول الأخرى، وكل من عاش فى الإمارات يعلم هذه الحقيقة تماما، هذا إلى جانب أن طبيعة مجتمع الإمارات القبلى، الذى لا يزيد عدد المواطنين فيه عن ثمانمائة ألف معظمهم ينتمى لقبائل وعائلات معروفة، ومنهم أعضاء هذا التنظيم السرى، يستبعد فيه تماما استعمال أساليب القمع والتعذيب فى التحقيقات القضائية، وما يقال بخلاف ذلك فى بعض وسائل الإعلام المغرضة كذب وافتراء، وقد أكد لى ذلك صديق مصرى مستشار يعمل فى نيابة دبى وكان زميلى فى كلية الحقوق فى جامعة القاهرة.
أعضاء التنظيم السرى الإخوانى فى الإمارات من فئات تتمتع بمستوى تعليمى واجتماعى عالٍ بالمقارنة بغيرهم، ورغم أن المجتمع الإماراتى عرف من قبل الكثير من الانتماءات الثقافية والسياسية لبعض مواطنيه من اليمين واليسار والوسط، إلا أنه لم يعرف قط التنظيمات السرية التى تعمل فى الخفاء ضد نظام الحكم إلا مع هذه المجموعة، الأمر الذى يثير تساؤلات وجدلا كبيرا حول هوية هؤلاء الإخوان المسلمين الإماراتيين وانتماءاتهم وأهدافهم والجهات التى تقف خلفهم وتدعمهم.
وأعود لما سبق أن كتبته فى مقالاتى حول التنظيم العالمى للإخوان المسلمين، هذا التنظيم الذى عرفنا عنه كل شىء من خلال الإخوان المسلمين أنفسهم، ومن كتاباتهم وأحاديثهم التلفزيونية، ونتساءل عن مدى ولاء وانتماء هؤلاء لأوطانهم ومجتمعاتهم، وما دور التنظيم العالمى فى توجيههم واستخدامهم، وما هى الأهداف الحقيقية وراء نشاطهم السرى؟
لقد سمعت أحدهم يتحدث فى قناة تلفزيونية ويطالب بحريات سياسية وانتخابات ديمقراطية، وضحكت مما يقول فى بلد عمره أربعين عاما فقط ولديه برلمان منتخب تشارك فيه المرأة، بينما دول مثل مصر وسوريا والسودان والعراق تاريخها آلاف السنين لم تحظ بهذه الديمقراطية ربما حتى الآن، وحتى فرنسا بلد الحرية العالمية لم تعرف المرأة فيها حق الانتخاب (وليس الترشح) سوى فى أواخر الخمسينيات الماضية.
هؤلاء الذين يسمون أنفسهم "إخوان مسلمين"، ويشبههم صديقى الروسى بـ "اليهود الفقراء" فى دولة الإمارات الحديثة التى بدأت من حيث انتهى الآخرون، يدعون أنهم يريدون الإصلاح السياسى فى دولة لا يستطيع الغريب أن يميز حكامها من مواطنيها العاديين من كثرة تواضعهم وبساطتهم واختلاطهم بالناس بدون أمن ولا حراسة خاصة ولا أبواب مغلقة، وكل من عاش فى الإمارات يعلم أننى لا أبالغ فى ذلك.
تنظيم الإخوان المسلمين السرى فى الإمارات الهدف منه هو استخدامه من قبل جهات معينة للضغط على نظام الحكم فى دولة الإمارات لتغيير نهج سياساته المشهود لها بالحكمة والاتزان، وتوجيهها لخدمة مصالح هذه الجهات الخاصة ضد مصالح شعبه وأمته العربية، وهذا دأبهم دائما حيثما كانوا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة