فى مقال سابق لى تحت عنوان "الإخوان وورطة الفوز فى الانتخابات"، توقعت فيه الفشل للإخوان أو غيرهم فى تحقيق إنجازات، أو حل مشاكل الناس فى مصر فى الفترة القادمة فى حال توليهم الحكم، حكومة أو رئاسة، وذلك لأسباب عرضتها، وعلى رأسها ثقل التركة وصعوبة المشاكل وتعقيدات المرحلة، وأسباب أخرى داخلية فى تنظيم الإخوان بالتحديد، ولم أتناول أى شأن دينى من بعيد أو قريب، لكننى فوجئت بكم من التعليقات الحادة جداً على المقال، وكأننى مسست قدس من الأقداس أو ناقشت قضية عقائدية شائكة، ولم يتناول تعليق واحد موضوع المقال، بل جميعها تناولت شخصى بألفاظ حادة.
هذا الأمر بصراحة أصابنى بقلق شديد على مستقبل مصر وثورتها، وجعلنى أتساءل، لماذا قام شباب مصر بالثورة؟، وماذا كان دور هؤلاء الذين يهاجموننى فى هذه الثورة؟
هذان السؤالان جعلانى أتأمل قليلا فى القضايا المطروحة على الساحة، والأكثر تردداً فى وسائل الإعلام على مدى الأيام الماضية، خاصة منذ بداية الانتخابات البرلمانية.
قضايا مصر التى قامت من أجلها الثورة معروفة للجميع، ويمكن حصرها فى ثلاث قضايا رئيسية هى: محاربة الفساد السياسى والاقتصادى وتحقيق العدالة الاجتماعية وتحرير الإرادة القومية من القيود والضغوط الأجنبية، وتحت هذه العناوين يمكن إدراج كافة المشاكل التى تعانى منها مصر وشعبها، والتى تسبب فيها النظام المخلوع، وكان من المفترض عند بدء الحملات الدعائية لأول انتخابات برلمانية بعد الثورة تشارك فيها كافة القوى السياسية الموجودة على الساحة بحرية ومساواة كاملة، أن تطرح الأحزاب والقوى السياسية برامجها الانتخابية، فى إطار القضايا الثلاث التى ذكرناها، وأن يتم هذا الطرح على الجماهير التى ستنتخب بشكل مباشر فى الشارع من خلال مؤتمرات أو مطبوعات، أو من خلال وسائل الإعلام، لكن للأسف الشديد لم يحدث هذا، وذهبت الجماهير الكبيرة لصناديق الانتخاب دون أن تقرأ أو تسمع أى برنامج عمل لأى حزب أو تكتل سياسى، فقط ذهبت مدفوعة بحماس الثورة، وانطلاقا من الكبت والتغييب السياسى الذى مارسه النظام السابق معها ثلاثون عاما مضت.
وكان الخيار أمام الغالبية من عامة الناخبين المصريين بين اثنين لا ثالث لهما، إسلاميين وغير إسلاميين، ولعب الإعلام، وخاصة الفضائيات ووسائل الاتصال الحديثة على الإنترنت، دوراً كبيراً فى هذا التعتيم، حيث مع اقتراب موعد المرحلة الأولى من الانتخابات، وقبل أن يبدأ التصويت بأيام قليلة فوجئنا بتردد الأقاويل حول حتمية تقدم الإسلاميين، ولم نعرف أى شىء عن برامج هؤلاء الإسلاميين، وكيفية تعاملهم مع القضايا المذكورة، بل فوجئنا بقضايا غريبة للغاية وبعيدة تماما عن قضايا الشعب، وعن روح وجوهر ثورته، حيث ملأ الساحة جدلا واسعا مشوبا بالجدية أحيانا، والسخرية أحيانا أخرى حول مسائل الحرام والحلال، وانتشر هذا الجدل بشكل كبير وسريع فى وسائل الإعلام والاتصال الإلكترونى، وامتد إلى المساجد والندوات والاجتماعات التى امتلأت بالحوارات حول تحريم أو تحليل السياحة والخمر والغناء والموسيقى والرقص والسينما، والاختلاط فى الأماكن العامة، والنقاب والحجاب، وتهنئة الأقباط بأعيادهم أو عدم تهنئتهم، ومراقبة الشواطئ، ليس من أجل حماية حدود البلاد، بل لتقويم سلوك الناس على الشاطئ، وكذلك مراقبة الناس فى الملاهى والحدائق والمراكز التجارية، ووصل الأمر لدرجة مناقشة قضية إلزام الرجال بإطلاق لحيتهم أو عدم إلزامهم.
وسمعنا عن بحث تشكيل جماعات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والتى تخلصت منها السعودية لأنها أساءت إلى سمعتها، وأخذت وسائل الإعلام تسترسل فى تفصيل الخلاف حول هذه القضايا بين الإخوان والسلفيين، فمنهم من وافق أن يهنئ الأقباط بأعيادهم ومنهم من رفض، ومنهم من قال نهنئ من بعيد، ومنهم من حلل الفنون ومنهم من حرمها، ومنهم من وافق على بقاء الخمور من أجل السياحة ومنهم من رفض، وهكذا فى باقى القضايا التى استغرقت وقت الإعلام والشعب قبل بدأ الانتخابات، وما زالت حتى الآن، وكأن الثورة، التى لم يشارك الإخوان والسلفيون فى إشعالها، وامتنعوا عن المشاركة فى العديد من تجمعاتها أيام الجمعة، قد قامت من أجل كل هذه القضايا التى لا تلائم على الإطلاق روح العصر، ولا تمس واقع ومعاناة مصر وشعبها لا من بعيد ولا قريب، ولم نسمع من هذه القوى السياسية شيئا عن قضايا الموظفين والعمال والشباب والبطالة والفساد والصحة والتعليم، ولا عن أى قضية من قضايا الثورة، ولا حتى عن شهداء وجرحى الثورة وعائلاتهم، ولم نرَ منهم أى موقف إيجابى أو مشاركة فى الأحداث المأساوية التى شهدتها مصر خلال الأيام الماضية، إنهم مشغولون تماما فى الانتخابات، مكتفون من الثورة بما حصلوا عليه، وتاركون قضاياها لمن يهمه الأمر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة