لسنا فى حالة صراع بين الثورة والسلطة قدر ما نحن فى صراع على السلطة.
لقد دانت السلطة للثورة فعلا وقضى الأمر.. عهد مبارك انتهى بكل تفاصيله ورجاله وسياساته ولا يتوقع أو يخشى العودة للخلف إلا كل قصير نظر لا يدرى من أمر تاريخ الشعوب.. ولا من نتائج عمليات التغيير الكبرى سوى النذر اليسير.
لكن السؤال أى جناح فى الثوار سيقود هذه الثورة، بمعنى آخر من سيكون مسئولا عن صياغة قواعد الدولة المصرية الجديدة؟ ومسئولا عن تحديد أبنيتها الفوقية والتحتية والثقافية وتوجهها الأيديولوجى؟؟ من سيقود عمليات صياغة المستقبل بعد أن تأسست مرحلة التغيير؟
مشكلة هذه الأسئلة وغيرها هو.. تداخل المراحل.. واستعجال البعض.. والرغبة من البعض الآخر فى القفز على المراحل.. لذا تبدو الإجابات مرعبة من بعض جوانبها.. وأعتقد أن عدم وضوح الصورة والأسئلة لدى البعض يدفع الأمور فى مواجهات لا يقدر هؤلاء عواقبها.
فمسألة الصراع بين الثورة والسلطة القائمة أيسر بكثير من مسألة الصراع بين الثوار على السلطة.. فالأخيرة تمنح المتصارعين زخما فى الدفاع عن النفس للحفاظ على مكتسب تحقق بشق الأنفس مدفوع فيه الغالى والنفيس والتاريخ والمستقبل، لذا يبدو تمترس كل جانب من الثوار وراء مجموعة حصينة من السواتر تتيح البقاء لأطول فترة ممكنة دفاعا عن النفس.
فالثورة لم تبدأ فى التبلور كثورة وبدأت فى تغيير الواقع السياسى إلا بعد مسيرة التحق بها العديد من الاتجاهات وخاضت خلالها العديد من الصراعات على مستويات متعددة وبصور متنوعة.. منها ما ارتبط بالفعل الثورى والشرعية الثورية ومنها ما ارتبط بالفعل الشرعى والشرعية الدستورية.
الأغلبية حسمت صراعها عبر الفعل الشعبى الدستورى وليس الشعبى الثورى، ومعنى ذلك أن تبلور الثورة فى صورتها النهائية ما زال رهين الصراع بين أجنحة الثوار كون أنصار الشرعية الثورية ما زالوا رافضين إتاحة المجال لمصارعيهم..
يناير 2012 نموذج للبحث عن إجابات للأسئلة الكبرى وحسم الصراع على الثورة بين ثوار يريدون ترسيخ الشرعية الثورية بعد فشلهم فى الحصول على الشرعية الدستورية.. وبين ثوار نالوا الشرعية الدستورية ويريدون ترسيخها للبناء عليها.
الثورة فى مصر تعنى النجاح فى تغيير قواعد بناء استمرت ما يزيد على النصف قرن، ترسخت فيها بنية الدولة على أسس ثقافية ورؤى سياسية راسخة ظلت خاضعة للتطوير والتعديل لكنها أبدا لم تحظ بالتغيير، لذا فمن الخطأ اعتقاد البعض أن الثورة تعنى سيطرة الثوار على الحكم لأن السيطرة دون القدرة على قراءة التغيير المطلوب وإتيانه وامتلاك الأدوات المؤهلة لتحقيقه تعنى سيطرة فارغة مقضيا عليها بالفشل.
الأسئلة الكبرى تعنى إجابات عن أسئلة لطبيعة البنى الفوقية والتحتية الجديدة للدولة المصرية.. ستون عاما ترسخت فيها وتداخلت وتقاطعت مصالح دولية وإقليمية وداخلية انعكست فى مساحات مختلفة على صياغة القرار الوطنى وتحديد المصالح، ستون عاما ترسخت فيها أدوار لهيئات الدولة وأجهزتها ومؤسساتها وترك كل منها مساحته على القرار وتحديد المصلحة الوطنية، ستون عاما نسجت العلاقات الطبقية والبنية المجتمعية، شبكة من المصالح امتدت لأعماق المجتمع المصرى بكل مكوناتها وأشكالها السلبية والإيجابية، ومن أبرزها شبكة الفساد التى فرضت أيضا مساحتها على القرار الوطنى وتحديد نوع ومستوى المصالح.
ربما من السهل تصور عملية التغيير بمجرد تغيير القيادات بينما الواقع يؤشر لأن عملية التغيير تستلزم جراحات عميقة وإزاحات جذرية، خصوصا أن المؤهل للقيادة وفقا للقائم يستهدف بناء سياسيا مغايرا تماما.. فهو لا يهدف لإصلاح الرؤى الليبرالية أو تطوير وتعديل للمفاهيم الاجتماعبة الاشتراكية، إنما هو يسعى لزرع أسس بناء دولة على النقيض من كل القائم هدفها تأسيس دولة خلافة إسلامية أممية قلبها فى مصر .
الصراع القائم على السلطة يشير إلى تصور جناح من الثوار قدرتهم على قيادة عملية التغيير المنتظر وفقا لقرارات الشرعية الثورية دون قيود وضوابط قانونية تعيق ما يعتبرونه خطوات مهمة لإنجاح الثورة عبر تغيير أسرع ربما لا يلبى رغبة الاستقرار الفورى، والمؤكد فى الوقت ذاته أن المشروع المقترح لم يتبلور فى رؤية أو روشتة تساعد أصحابه على تحقيقه.. بينما الجناح المقابل يرى قيادة عملية التغيير بتدرج دستورى وقانونى يحقق من وجهة نظره تغييرا أسهل واستقرارا أسرع للأوضاع، بما يتيح التحرك للأمام فى إطار رؤية استراتيجية وأهداف واضحة تحيط بها وسائل تبلورت عبر سنين طويلة من العمل السياسى السرى والعلنى والعلاقات المحلية والإقليمية والدولية.
المؤكد أن حسم الصراع على السلطة يقتضى توافر أدوات وإمكانات تبدو متوافرة لدى الطرفين المتصارعين.. والمؤكد أيضا أن انتزاع أى الطرفين ثمرة النجاح لا يعنى قدرته على السيطرة على السلطة.. والأهم من كل ذلك أن قدرة التوافق والتوفيق بين المنهجين الدستورى والثورى لقيادة التغيير قائمة إذا ما ظهر فريق مختلف يسعى إلى إبراز الطريق الثالث الذى ينهى الصراع بين الأجنحة ويجعل من التعاون والتنيسيق أساس العلاقة بينهما فى المرحلة الانتقالية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة