طرح سؤال النهضة على العقل العربى فى القرن التاسع عشر، فوجدنا إجابات من مفكرين أمثال رفاعة الطهطاوى وجمال الدين الأفغانى ومحمد عبده ورشيد رضا وحسن البنا فى مصر، وسوف نلاحظ أن تلك الإجابات كان فيها خط واضح، هو علاقة من يجيبون عن أسئلة النهضة بالفكر الإسلامى، فالطهطاوى كان خريج الأزهر وإمام بعثات محمد على إلى فرنسا، وجمال الدين الأفغانى كان متسلحًا بعلوم الإسلام، ومحمد عبده كان إمامًا للجامع الأزهر، وحسن البنا تخرج فى دار العلوم.
حاولت إجابات هؤلاء النهضويين أن توفق بين الحضارة الغربية الغالبة وبين قيم الإسلام بدرجة أو بأخرى من ناحية، كما حاولت أن تجعل من الحضارة الإسلامية أساسًا ومنطلقًا لمواجهة تلك الحضارة الغالبة الغازية.
واليوم يعود سؤال النهضة فى مصر لكى يطرح نفسه من جديد، ولكن فى سياق مختلف، فهو سياق أزمة للنظام الرأسمالى وللحضارة الغربية التى تتراجع حظوظها على مستوى القدرات والتحالفات وعلى مستوى العقيدة ذاتها، فالغرب فى أزمة.
وعلى صعيد مصر والعالم العربى فنحن نغادر الأزمة إلى النهضة بعد ثورات الشباب فى العالم العربى، لم يعد هناك انبهار بالغرب ولا الثقة فى قيمه ولا فى عدالته أو حريته أو أن طريقه هو الطريق المؤدى بالضرورة إلى النهضة.
هناك الآن بعد وصول الإسلاميين بأغلبية كبيرة إلى البرلمان ثقة فى أن خيار الشعب والناس هو للشريعة وللإسلام، وأن خيار النهضة لابد من استناده لقيم الإسلام وشريعته ومرجعيته، ولابد من تأسيس أسس جديدة للنهضة تنطلق من الإسلام وتؤسس لعالمية إسلامية جديدة.
التحدى الأكبر فى سؤال النهضة وجوابها هو قدرة الإسلاميين على تقديم إنجاز فى عالم السياسة والإدارة يمكنهم من تجاوز وهدة التخلف والتبعية إلى آفاق التحضر والاستقلال وبناء نموذج حقيقى للنهضة يجمع بين الثوابت والمتغيرات وبين الأصول والعصر.
ونموذج النهضة الحقيقى أساسه ومنطلقه تجاوز عوائق التخلف ممثلة فى الفقر والتهميش والبطالة والعشوائيات والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، وهى مطالب الثورة المصرية والثورات العربية.
أى أن إجابة سؤال النهضة لن تكون بالجدل التافه والفارغ حول أى نموذج نتبع؟ وإنما سيكون عن بناء نموذجنا نحن، ونموذجنا لن نخترع فيه العجلة وإنما يكون عن طريق وضع مصر على خارطة الفعل الإقليمى بحل المشكلة الاقتصادية -الاجتماعية فى الداخل عبر نموذج للنهضة يستند إلى قيمنا وعاداتنا وتقاليدنا.
الانتقال من الجدل إلى الفعل، ومن الأيديولجيا إلى الخطط، ومن الكلام إلى الفعل، ومن التاريخ إلى الحاضر، الإسلاميون الآن أمام لحظة الحقيقة والفرصة أمامهم وإجابة سؤال النهضة واضحة وهى الإنجاز فى مواجهة مشاكل الفقر والبطالة والعشوائيات والانحياز إلى غالبية الشعب من الفقراء والتأسيس لنظام سياسى يحترم التعددية والكرامة الإنسانية.
نحن نتحدث عن النموذج التركى والبرازيلى، والذى جعل تركيا والبرازيل نموذجًا هو قدرة المسؤولين فيها على تحقيق إنجاز حقيقى فى المجال الاقتصادى - الاجتماعى فقد قضت البرازيل تمامًا على مشكلة الفقر، فلم يعد هناك فقير «نموذج لولا دى سيلفا»، وأصبح اقتصادها هو رقم عشرة على مستوى العالم، والذى جعل تركيا نموذجًا هو نفس الشىء، فقد أصبح اقتصادها رقم خمسة عشر على مستوى العالم، والتخطيط فى تركيا اليوم هو لتركيا عام 2024م، وإذن جواب النهضة لم يعد هو «نسير خلف من؟» وإنما هو كيف نستطيع أن نحقق نموذجنا؟ الجواب هو فى حل المشكل الاقتصادى - الاجتماعى فى مصر بحيث يحتل الاقتصاد المصرى مكانته على مستوى العالم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة