لا أرى فى الواقع جدوى ولا مبرر للاحتفال بذكرى الثورة المصرية فى 25 يناير، بل أقولها صراحة، إننى تنتابنى شكوك كثيرة حول تصميم وحرص البعض على الاحتفال، وكأن هؤلاء يريدون أن يحولوا الثورة إلى مجرد ذكرى مضت ويوهمون الشعب بأننا الآن نحصد إنجازاتها، وكأن الثورة المصرية قام بها الشعب من أجل برلمان يسيطر عليه تيار واحد، نصفه ركب الثورة ولم يكن له أى دور فيها، ونصفه الآخر كان ضدها ثم أصبح معها بعد سقوط مبارك.
ما حدث وما يحدث على الساحة فى مصر، على مدى عام مضى، يشير إلى أن الثورة المصرية الحقيقية لم تأتِ بعد، فقد حركت انتفاضة الشعب المصرى فى 25 يناير المياه الراكدة التى لم يكن أحد يتوقع أن تتحرك، لكن "الزَبَد" لم يذهب بعد جفاء، وما ينفع الناس لم يظهر بعد، والقول بأن الفساد الذى تفشى فى مصر على مدى ثلاثة عقود مضت كان من صنع مبارك وأبنائه والحاشية المحيطة به من نزلاء سجن طره الآن هو قول مجاف للحقيقة، وكلنا يعرف حسنى مبارك الذى لم يختلف اثنان على أنه الأقل ذكاء ودهاء وخبرة بالسياسة بين كل من حكموا مصر فى تاريخها حتى الآن، ولا أعتقد أنه سيأتى من هو أضعف وأقل منه، وهو وأبناؤه وحاشيته كانوا أدوات فى يد منظومة فساد كبيرة تديرها قوى داخلية وخارجية تهدف إلى إضعاف مصر وتحطيم قواها السياسية والاقتصادية وتهميش دورها الإقليمى وسط محيطها العربى، واستخدامها لخدمة مصالح أعدائها وأعداء الأمة العربية، وما حدث على مدى عام مضى يؤكد أن هذه المنظومة مازالت قائمة وراسخة وتملك كل مقومات القوة والإمكانيات للانحراف بمسار الثورة بهدف إعادة نفوذها وسيطرتها على البلاد، وهذا ما نراه يحدث الآن على الساحة فى مصر.
انتفاضة 25 يناير، بإجماع كل الآراء، كانت شعبية بحتة قادها شباب لا يربطهم ببعضهم أى تنظيم سياسى أو توجه عقائدى، ولم يكن لأى قوى أو تنظيمات سياسية أو دينية على الساحة أى دور فى الإعداد لها، بل كانوا جميعا، "بلا استثناء"، يجلسون فى مقاعد المتفرجين يتابعون تطور الأحداث، ويراقبون عن كثب تزايد عدد الثوار فى ميدان التحرير، ويراقبون أيضا ردود فعل النظام على الأحداث، وإذا عدنا قليلاً بالذاكرة إلى الأيام الأولى بعد 25 يناير، سنتذكر تصريحات وأفعال كل من يزايدون ويدّعون ويحصدون المكاسب الآن، والذين كانوا يطالبون الثوار بالتهدئة والحوار مع النظام، وعندما رفض الثوار وتمسكوا بالميدان ذهبوا هم جميعاً يجلسون ويتحاورون مع رؤوس النظام، ولكن الشارع الثائر كان قد اتخذ القرار الذى لا رجعة فيه، وهو القرار الذى "أجبر" القوات المسلحة على اتخاذ الموقف الذى اتخذته، "وليتها لم تتخذه"، فقد جاء هذا الموقف من القوات المسلحة بمثابة "الدش البارد" على نار الثورة الشعبية والثوار الذين كانوا على وشك أن يفرضوا أنفسهم وقرارهم ويفرزوا من بينهم قيادتهم الثورية التى تقود الشعب والجيش معاً، وتحمل لواء الثورة.
لقد فتح موقف القوات المسلحة الباب على مصراعيه لكل من ليس لهم علاقة بالثورة والثوار ليتسلقون ويمتطوا صهوة الثورة ويوجهونها لخدمة مصالحهم وطموحاتهم الخاصة البعيدة تماما عن أهداف الثورة وواقع معاناة الشعب المصرى ومشاكله الحقيقية، ولو كان القدر أمهل نظام مبارك البقاء فى الحكم أياما أخرى إضافية لكان لدينا الآن العشرات من "قوائم العار".
الآن بعد عام من انطلاق الثورة المصرية نتساءل، أين الثورة وأين الثوار؟
كافة القوى السياسية التى تتصارع الآن على السلطة هى نفس القوى التى كانت موجودة فى عهد مبارك، ولم تفعل شيئاً، ولم تتخذ أية مواقف فعالة ضد الفساد والطغيان، وإذا كانت لهم، كما يدعون، هذه الشعبية الكاسحة التى أعطتهم أصواتها فى الانتخابات، فلماذا لم يقوموا هم بالثورة ضد الفساد؟، وادعاؤهم بأن قمع واستبداد النظام حال دون ذلك، هو ادعاء باطل، أبطلته ثورة الشباب الذين تصدوا بأجسادهم لقمع النظام وبطشه، وقدموا أرواحهم فداءً لوطنهم.
غياب القيادة الحقيقية للثورة فتح شهية الجميع للصعود والطموح للسلطة، ولا يستثنى من ذلك حتى المجلس الأعلى العسكرى، ومعه الحق فى أن يطمع هو أيضاً فى السلطة، ولمَ لا؟ وهو الذى يحكم ويدير الأمور كيفما يشاء، وينسب إليه الفضل "جدلاً" فى إنجاح الثورة، ويسعى الجميع لتملقه والمدح فى بطولاته.
الآن لا نرى على الساحة سوى صراعات على السلطة بين قوى تملك سلطة مؤقتة تسعى لجعلها دائمة، وقوى أخرى تخدع الشعب بشعارات سيثبت زيفها آجلاً أو عاجلاً، وشعب يعانى ولا يشعر أحد بمعاناته، وآخرين كانوا بالأمس ثواراً والآن يصفونهم بالهمجيين والفوضويين ولا يتوانون عن اعتقالهم واتهامهم.
ولكن يبقى الفضل لانتفاضة 25 يناير فى أنها أشعلت فوهة البركان الذى بدأ فى الغليان واقتربت لحظة انفجاره التى ستأتى بالثورة الحقيقية التى سيكون هناك معنى حقيقى للاحتفال بها.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
سالم
سلمت يا مغازي
عدد الردود 0
بواسطة:
عرباوي
أتفق واختلف
عدد الردود 0
بواسطة:
هند
سؤال رائع
عدد الردود 0
بواسطة:
عصام الجزيرة
هذا فكرك . لكن انظر كيف يفكر الشعب ..
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد مصطفى حبيب
نفسي نرسى على بر علشان نشوف مصلحة البلد
عدد الردود 0
بواسطة:
هانى
إلى عصام الجزيرة
عدد الردود 0
بواسطة:
إسلام
مغالطة وتضليل
عدد الردود 0
بواسطة:
عصام الجزيرة
استاذ هانى ..
عدد الردود 0
بواسطة:
عصام الجزيرة
استاذ هانى ..
عدد الردود 0
بواسطة:
عبد الوهاب
هذا ما قلناه