قبل أن يموت الطاغية الرومانى تشاوشسكو بأربعة أيام، سئل عن الأوضاع فى بلاده أثناء زيارته إلى إيران هل يمكن لرومانيا أن تتأثر بالإعصار الذى يجتاح أوروبا الشرقية وتتساقط فيه عروش الملوك الحمر؟ فأجاب: سلوا شجرة التين هل تنبت حسكاً؟ تأكيداً منه على أن ذلك مستحيل، وقال: صحيح أن الملوك الذين سقطوا من دول مجاورة لى، لكنكم لا تعرفون شيئاً عن الشعب الرومانى وقيادته الحكيمة؟ ولكن أظهرت الأحداث أن تشاوشسكو هو الأعمى الذى لايعرف شيئاً، فبعد أربعة أيام من هذا التصريح وجد نفسه يحاكم ويعدم رمياً بالرصاص.
لم تكن هذه النهاية المأساوية للإمبراطور الرومانى فقط، بل سبقه إليها الكثير من أمثال موسولينى الذى تم القبض عليه وهو متخف فى زى فلاح، وتم إعدامه رمياً بالرصاص، بنفس الكيفية التى قتل بها الديكتاتور الليبى معمر القذافى، مما يؤكد أن الطغاة يتشابهون فى أدائهم ونهايتهم، ولكن شعب مصر العظيم أراد أن يقدم للعالم نموذجاً حضارياً لنهاية الديكتاتور المخلوع محمد حسنى مبارك من خلال محاكمة قانونية عادلة، كما قدم للعالم ثورة فريدة من نوعها، فبدلاً من الهجوم على القصر والفتك بالرئيس المخلوع أو مطاردته هنا وهناك، أراد الشعب أن يحاسبه بالقانون، ولكن الشعب المصرى لم يكن يدرك أن حسنى مبارك صنع آلافاً من الطغاة الصغار، لايعرفون سوى الهدم والخراب، تربوا على الفساد والكذب والخداع والرياء.
هؤلاء الطغاة الصغار خرجوا من جحورهم كالثعالب والذئاب وانقضوا على الثورة، مستغلين سلميتها وبراءتها، وبدأوا يشوهون كل شىء جميل فى مصر وكأن أعينهم لاتعرف غير القبح والخراب.
فظل هؤلاء الطغاة يتحدثون أنهم مع الثورة وهم حماتها حتى ظهرت الحقيقة وهى أنهم أشد الناس عداوة لها، ويسعون لتدميرها، فقد كان جنرالات المجلس العسكرى ورئيس الوزراء كمال الجنزورى يؤكدون أنهم لن يتعاملوا مع المتظاهرين بالقوة فى نفس اللحظة التى كان الجنود يعرون فيها الفتيات ويقتلون الشباب.
كما يخدعون الشعب بمحاكمة صورية أشبه بالأفلام العربية، حيث يذهب مبارك إلى المحكمة ممتطياً السرير والنظارة السوداء، كأنه ذاهب إلى الشاطىء ليأخذ حمام شمس، وسط حراسه وأتباعه، وكأنه مازال يحكم مصر، بينما يظهر أبناءه وهم يرتدون الملابس الرياضية الفاخرة كأنهم ذاهبون إلى النادى، ومازال الضباط يؤدون التحية لوزير الداخلية الأسبق ورفاقه من القتلة كأنهم على رأس عمالهم، إن الطغاة الصغار الذين تربوا على يدى مبارك استطاعوا أن يخفوا بعض الأدلة على قتل مبارك وأعوانه للمتظاهرين، وبدلاً من أن يقدم النائب العام هؤلاء الطغاة للمحكمة بتهمة إخفاء المعلومات وشهادات الزور، والمشاركة فى قتل الشعب، تركهم أحراراً يمارسون هوياتهم فى تدمير الوطن.
ولكن السؤال الذى يطرح نفسه، هل عقاب مبارك وزمرته يحتاج أدلة أكثر مما يعانى منه المصريون على مدار 30 عاماً عجاف؟ إن مبارك يجب أن لا يحاكم بقتل المتظاهرين فقط، وإنما بقتل أجيال متعددة من خلال الأمراض التى انتشرت فى الاجساد، والمبيدات المسرطنة التى غرقت بها البلاد، والبطالة والفقر والجوع والهجرة غير الشرعية وانهيار التعليم وسرقة البلاد والعباد، وغيرها من الجرائم التى تستوجب عشرات الأحكام بالإعدام، يجب على النيابة والنائب العام أن يحاكموا الطغاة الصغار والكبار بدلاً من البكاء أمام المحكمة والخطب العصماء التى لاتسمن ولاتغنى عن الأدلة.
وماذا تنتظر النيابة من ضابط يتحرى عن ضابط زميله وشريكه فى القتل الخراب والدمار؟ هل يكتب تقرير عن أخطائه من أجل عيون الوطن والثورة التى زلزلت الأرض من تحت عرشهم؟.
إن طغاة النظام البائد مازالوا يتحكمون فى كل شىء فى البلاد بما فيها التقارير والمعلومات التى تصل إلى ملفات المتهمين فى قتل المتظاهرين حتى استطاعوا أن يفرغوا القضايا من مضمونها، فهل يقبل الشعب أن يتحكم الطغاة الصغار فى الأحكام ويبرئون المتهمين فى قضايا القتل والفساد المختلفة، كما حدث فى قضية ضباط السيدة زينب أم سيكون للشعب رأى آخر؟.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة