مرحلة ما بعد 25 يناير تمثل أهم المراحل السياسية وأخطرها منذ بناء مصر الحديثة فى 1805، وذلك لما بها وما اعتراها من سيولة سياسية واقتصادية واجتماعية أنتجت كثيرا جدا من السلبيات التى ما كان لها أن توجد حتى تكمل الثورة مراحل نضجها، تلك السلبيات بمجملها والتى أوجدت تشرذما وتفتتا بين كل القوى السياسية والمنظمات الاحتجاجية والائتلافات الشبابية وذلك نتيجة للإسراع فى محاولة جنى مكاسب حزبية وشخصية بعيدا عن أهداف الثورة التى لم تتحقق بعد، كل هذا يجعل مجلس الشعب القادم من أهم المجالس التشريعية منذ إنشاء الحياة البرلمانية فى 1866، لما عليه من دور تشريعى وسياسى يرتبط بإعادة مؤسسات الدولة واستعادة هيبتها، ودوره فى تشكيل الهيئة التأسيسية التى ستضع الدستور، وفى إنجازه لتلك القوانين التى تقنن وتشرعن مبادئ الثورة الهائمة حتى تصبح حقيقية على أرض الواقع، وذلك هو الطريق الباقى والمأمول للبدء فى البناء الثورى لما تم هدمه حتى الآن، والانتخابات التشريعية لم يتبق لها من الزمن سوى شهرين، فهل نأمل فى إنجاز مجلس تشريعى يمكن أن يقوم بهذه المهمة التاريخية؟ نتمنى ذلك، ولكن من قال إن الثورة تنجز بالأمانى وإن التغيير يحقق بالأمنيات، ولكن يتم هذا على أرض الواقع ومع الجماهير وبالجماهير، فهل ما تعيشه مصر الآن وعلى كل المستويات يمكن أن يصل بنا إلى ذلك التغيير؟ فهذه حالة الانفلات الأمنى غير المسبوقة إلا فى عهد المماليك، تلك الحالة التى أسقطت القانون وأضاعت هيبة الدولة، حتى وصل الأمر إلى أن يتم معاقبة من يشتبه فيهم بأنهم سارقون بقتل واحد وفقأ عين آخر وقطع يد الثالث، وذلك بعيدا عن أعين الشرطة؟ وها هى هيبة الدولة ومهابة الشرطة وسطوة القانون لا اعتبار لها الآن، فمن يريد أن يفعل ما شاء وقتما شاء مع من شاء يفعل، وما من سائل، والأصح لا يوجد من يسأل، فى ذات الوقت الذى أصبح فيه السلاح غير المرخص ومن كل الأنواع التى تجاوزت حتى الدفاع الشخصى يباع فى الشوارع مثل الخضروات، فمع هذا الانفلات الأمنى ومع تكدس السلاح بهذه الطريقة المريبة والتى تهدد بحرب أهلية لا قدر الله، يوجد من لهم مصحلة فى إسقاط الثورة وعدم إتمامها، والأهم من لهم مصالح لا تنتهى فى أن يظل تواجدهم فى مجلس الشعب، وهم من كانوا محسوبين على الحزب الوطنى، ولكنهم كانوا ومازالوا يستمدون تواجدهم من خلال عزوتهم العائلية والقبلية والجهوية والمادية، أى أن الحزب الوطنى هو الذى كان يحتاجهم أكثر من احتياجهم للحزب الوطنى، هؤلاء لا ولم ولن تصل إليهم الثورة نتيحة لتلك السيولة السياسية، وما يمكن أن يسمى بالتفتت الثورى، كما يوجد مع هؤلاء التيار الإسلامى بكل فصائله، ذلك التيار الذى قال عنه د. سليم العوا إنه يمثل 94 % من المصريين باعتبار أن كل مسلم جزء من ذلك التيار الإسلامى، الشىء الذى جعل رموز هذا التيار يتحدثون باسم 94% بل 100 % من الشعب المصرى، وكأنه لا يوجد فى مصر سواهم، فهل فى هذا الواقع يمكن إنجاز مجلس شعب يوجد جسدا لروح الثورة الهائمة حتى تتقمصها؟ مع العلم أن ما يوجد من ائتلافات انتخابية بكل تعدداتها لا يمثل سوى القناع الذى يخفى المصحلة الحزبية الخاصة فى شكل عمل جماعى، ولذا تفتقد هذه الائتلافات وجود البرنامج المحدد لتجاوز هذه المرحلة ولإيجاد مجلس شعب يمثل كل المصريين وينجز الدولة الديمقراطية الحديثة، فهل هناك هذا البرنامج؟ وهل تم الاتفاق على شكل وأسس الدولة الحديثة؟ وهل قضى هذا الائتلاف أو غيره على تلك المعارك الوهمية بين الدينى وبين المدنى؟
ناهيك عن قانون الانتخابات بالفردى والنسبى مناصفة، وإجراء انتخابات الشعب والشورى فى الوقت نفسه، فهذا سيضيف إلى المشكلة مشاكل، وسيحول التشرذم السياسى إلى مواجهات عصبية وقبلية، فهل خوفا على الثورة من الضياع وعلى الوطن من الأخطار التى ستحيق به أن يتم تعديل قانون الانتخادات فورا، وأن تتم انتخابات الشعب فى غير يوم الشورى، وأن تتوحد كل الفصائل حول برنامج انتقالى للخروج من هذه المرحلة الانتقالية، وأن نتفق على مقومات وأسس الدولة الديمقراطية الحديثة التى يراعى الجميع الإيمان بها؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة