الجميع يتحدثون عن حب مصر، فمصر فى الخاطر وفى الدم، ومصر وطن يعيش فينا وليس وطنًا نعيش فيه.. ومصر هى أمنا، وعزنا، وفخرنا، وهكذا.. فالحديث عن حب مصر لا ينتهى، ولن ينتهى، ولكن هل سلوكياتنا وتصرفاتنا تتفق وتتسق مع هذا الحديث عن حب مصر؟ هل الأقوال تؤكدها الأفعال؟ أعتقد أننا جميعًا قد أسرفنا فى الحديث عن حب مصر، لأننا لو كنا نحب مصر فعلاً لكنا جميعًا وحدة مصرية واحدة مثلما حدث فى 25 يناير، وما كنا قد وصلنا إلى تلك الحالة الاستقطابية الحادة التى شقت الوطن، وشرذمت الجماعة المصرية، وعطلت الثورة عن طريقها الذى كان يجب أن يكون، فأين حب مصر - ونحن فى مولد ثورة وليدة، لا أبٌ شرعى لها غير الشعب المصرى - من ذلك التفتت حول قضايا ما كان يجب لها أن تكون؟ أين حب مصر من تلك الشعارات التى لا علاقة لها بمصر؟ بل إنهم يجاهرون بموقفهم العملى والفعلى فى علاقتهم بمصر التى لا تساوى غير «طظ».. وهناك من يشرف برفع علم السعودية بديلاً عن علم مصر، رمز الوطن والمصرية، وأين على أرض مصر، أين حب مصر من ذلك التسابق وهذا التصارع حول الاستحواذ والظهور والتعالى والسطو على ثورة لا يدعى أحد أيّا كان أنه صانعها بمفرده، والأغرب أن القوة التى لم تبدأ بالمشاركة فى الثورة، وكانت مترددة، والأخرى التى كانت ضد الثورة، بل تعتبر أن الخروج على مبارك نوع من الكفر، هؤلاء الآن هم من يتصدرون المشهد ويدعون الحفاظ على اختيار الشعب والتمسك بالبيان الدستورى، وهم الآن من يتمسكون بالديمقراطية ويدافعون عنها، تلك الديمقراطية التى فرغت من مضمونها واختصرت فى صندوق الانتخاب الذى يضمنونه بزعزعة العاطفة الدينية المسيطرة على المصريين وبتأجيجها، أما حب مصر الحقيقى فقد تجلى فى ذلك الاستقطاب بين الدولة الدينية وما يسمى بالدولة المدنية، وقد تكرس هذا الشقاق وذلك الخلاف بعد تلك المليونية التى أطلق عليها «جمع الشمل» يوم 29 / 7 وكانت بحق جمعة تفرقة وتشتت الشمل، فباسم الدين تكبروا واستعلوا، بالرغم من أن الدين ليس بملكية شخصية، ولا هو يخص متدينًا يعلن دينه عن آخر، وقد حدث ما حدث من سلوكيات تفرق ولا تجمع، تشتت ولا توحد، والأغرب أن الطرف الآخر صاحب ما يسمى بالدولة المدنية هاج وماج، واستنفر رجاله ومؤيديه لحشد آخر، سواء كان يوم الجمعة 12 / 8 أو جمعة 19 / 8. ولماذا؟ فى مواجهة دعاة الدولة الدينية وردّا على جمعة لم الشمل التى استبدلت بجمعة الهوية، والرد بجمعة فى حب مصر، ناهيك عن تعبير ومسمى فى حب مصر، ولكن أين ذلك الحب فى تكريس هذا الاستقطاب وفى الفعل ورده بهذا الشكل المخيف، والذى يؤسس للفرقة والتشتت؟ كما أنه أين المدنية فى مواجهة الدينية؟ وهم أيضًا يتحركون على الأرضية الدينية نفسها، فجمعة فى حب مصر قوامها قوة الصوفيين، وما يقال عنه «المسيحيون»، أليس فى هذا - وهو بالفعل هذا - استغلال للدين وللعاطفة الدينية؟ ما الفرق بين الظهور والحديث باسم الدين فى جمعة 29 / 7 والحديث والظهور بالأدوات نفسها فى جمعة الرد، وفى حب مصر؟ وحديث الشيخ أبو العزايم عن مباركة البابا لهم أليس هذا تكريسًا للفرقة باسم الدين؟ وماذا نستفيد من هذه التظاهرة وتلك الأخرى ونحن فى هذا الصراع الذى لا يهدف سوى للمصلحة الحزبية والتنظيمية؟ وما حكاية المسيحيين كفصيل سياسى، والأخطر كفصيل دينى؟ ومن هم هؤلاء المسيحيون؟ ومن يمثلون؟ وهل المسيحيون قد أصبحوا الآن حزبًا سياسيّا؟ أليس هذا جهلاً سياسيّا وتكريسًا للفرقة والقسمة؟ وهل ضاعت الثورة حتى تكدس الطائفيون، ونجد مشتاقين لا دور لهم، يريدون الظهور باسم المسيحية فى هذا المولد اللى صاحبه غائب؟ ثم هل يتصور هؤلاء أصحاب الدولة المدنية أنهم سيحققون حلمهم هكذا؟ ما بالمليونيات تبنى الدول، ولا تؤسس الأنظمة، ولكن بالنضال فى الشارع بطول مصر وعرضها، وليس فى التحرير بالارتباط بالجماهير، وكسب مصداقيتها من خلال برامج تقنع المواطن بأن هذا برنامج فى صالحه، بنزول الانتخابات وضمان كسبها؛ حتى يمكن الوصول إلى تحقيق ما نريد، إذن الأهم هو العمل على الأرض مع الجماهير، وهذا ما تملكه القوى الدينية، وهو ما تزايد به على الجميع، فهل من خروج من هذا النفق حتى نحقق حب مصر فعلاً وقولاً?
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة