اتفقت الأديان السماوية على قيم المساواة بين البشر فى الحقوق والواجبات، وحرمت الظلم بين بنى الإنسان، والتفريق بين شخص وآخر بسبب عقيدته أو جنسه أو لونه، بل وأتت لترسخ قيم التسامح ونبذ العنف والكراهية، ولو طبق أصحاب هذه الديانات تعاليم وأخلاق أنبيائهم، لعاشت الأرض فى سعادة، وما رأينا الصراعات والانتهاكات الحقوقية التى يشهدها العالم الآن.
لكن ما يسىء لهذه الأديان وجود فئات متطرفة ومتشددة ممن ينتمون لها، وقد ظهر هذا المرض بوضوح فى بعض الجماعات الإسلامية التى جهلت قيم التسامح وقبول الآخر منذ بداية الثمانينيات، ولكن تعافت هذه التيارات بعد المراجعات الفكرية التى تبنتها قيادات هذه التيارات، لكن للأسف الشديد بدأنا فى مصر منذ خمسة أعوام مضت، نستشعر بأن هذه الآفة انتقلت بين صفوف إخواننا الأقباط، بسبب انسياقهم وراء بعض قيادات أقباط المهجر الذين نعلم جميعًا لمن ولاؤهم، ولحساب من يعملون، حيث استغل هؤلاء المأجورون حماس الشباب المسيحى المتدين، ووظفوه بشكل يغذى الفتنة الطائفية، لدرجة أننا وجدنا بعض الشباب المسيحى المتشدد، بعد أحداث إمبابة التى رفضناها جميعا مسلمين ومسيحيين، يطالبون الأمريكان بحمايتهم، وذلك فى نفس الوقت الذى طالب فيه المجرم موريس صادق، أحد قيادات أقباط المهجر، الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بشن حرب على مصر، ناسيا أنه تربى فى خير هذا الوطن الذى آواه وعائلته.
إن العقل يحتم علينا بعد حدوث الفتن أن نقف موقف المتأنى لتهدأ الأوضاع، مع التصميم على محاسبة كل من تورط فى هذه الجريمة بكل حسم، وإعمال القانون بكل قسوة من أجل الضرب بيد من حديد على كل من تسبب فى إشعال الفتنة الطائفية، وحاول هتك النسيج الوطنى، وهذا ما يحدث بالفعل الآن فى التحقيقات التى تجريها النيابة العامة والشرطة العسكرية، ولعل خير دليل على ذلك إحالة العشرات من المتورطين فى أحداث إمبابة للجنايات حتى يأخذ العدل مجراه، بل ووجدنا الحكومة تتخذ خطوات جادة نحو فتح الكنائس المغلقة، وحل المشاكل المتعلقة بدور العبادة، والإفراج عن الكثير من الشباب المسيحى، الذى تم القبض عليه فى أحداث إمبابة وماسبيرو، وهذا ما اعترف به قيادات معتصمى ماسبيرو.
لكن للأسف وجدنا أن بعض المتشددين من القساوسة أرادوها فتنة مستمرة، مثل القمص متياس نصر، قائد اعتصام ماسبيرو، الذى سعى بكل قوة لعدم فض الاعتصام، حتى تستجيب الحكومة لكل مطالبهم التى قسمها إلى ثلاثة أقسام، ويأتى هذا التصرف فى حين طالب رأس الكنيسة المصرية، البابا شنودة، المعتصمين بفض اعتصامهم، وأكد لهم، فى لغة تحذيرية، أن استمرارهم على موقفهم سيجلب على مصر كثيرًا من المخاطر، ولكن للأسف لم يستجب الشباب، وانساقوا وراء الأصوات المتشددة، وبذلك أصبحنا أمام معضلة تعدد القيادات فى الكنيسة، وعدم الانصياع للممثل الرسمى لها، ولولا تدخل أصوات الحكماء من إخواننا الأقباط ما فض المعتصمون اعتصامهم اليوم.
ولا يدرك ما يحدث من المتشددين، إلا تحت خانة ابتزاز للوطن، من أجل تحقيق مصالح طائفية ضيقة، متناسين مصلحة الوطن الذى يمر بأحرج فتراته التاريخية، بل أجدها محاولة لفتح الأبواب على مصراعيها أمام المتربصين بأمن مصر من الدول المعادية، أن استمرار هؤلاء فى تشددهم وسعيهم لمكاسب طائفية، سيسمح بمزيد من الاحتقان الطائفى فى مصر، ويشكل خطرًا على أمن الوطن، لذا على الحكومة أن تتعامل مع هذا الملف بشكل قانونى حاسم، من أجل التصدى لهذه المجموعة التى تناست ضميرها الوطنى، وعلى البابا شنودة أن ينقذ الشباب المسيحى من تطرف بعض القساوسة، ولا يقف عند دور الواعظ، لأن هؤلاء الشباب أمانة فى عنقه، وإنقاذهم من الانزلاق للتطرف والإضرار بمصلحة الوطن من أهم مهامه الدينية، فمصلحة الوطن تعلو على مصلحة الجميع، وعلينا جميعا أن نبذل كل ما نمتلكه من جهد من أجل أن تتعافى مصر وتخرج من نفق الطائفية البغيضة والمتشددين فى الطرفين، فسفينة الوطن نركبها جميعا، وإذا غرقت هلكنا جميعا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة