كانت المرحلة الأولى من انتخابات مجلس الشعب يومى 28 و29 / 11 الماضى مفاجأة لكل المحللين ومغايرة لكل التوقعات، ذلك من حيث مشاركة الحشود غير المسبوقة للمصريين، حتى كانت نسبة التصويت 62 % وهى نسبة غير مسبوقة، وكان هذا فى ظل أجواء بعيدة عن العنف والإقصاء والبلطجة، وكانت هناك دلالات ومؤشرات مبدئية لافتة للنظر وموجبة للتحليل، أهمها حصول الإخوان على ما يقرب من 40 % والسلفيين على 20 % وحزب الكتلة على 15 % وإذا كانت النسبة التى حصل عليها الإخوان لا تمثل مفاجأة كبيرة ولكنها زادت على كل التوقعات التى سبقت الانتخابات خاصة عند عدم نزول الإخوان إلى ميدان التحرير بيعًا للثورة، وتخليًا عن الثوار، أما النسبة التى حصل عليها السلفيون فهى المفاجأة بحق، حيث إنهم قد دخلوا الساحة السياسية بدون رصيد ولا خبرة ولا تجربة سابقة سواء كان هذا فى الإطار السياسى أو فى المجال التنظيمى كذلك الكتلة المصرية، وهى أحزاب حديثة العهد أحدها تم تأسيسه معتمدًا على سلاح المال، والآخر بلا جماهيرية، والثالث قد فقد فاعليته وخسر مصداقيته قبل ثورة يناير.
فما الأسباب والمبررات لتلك النتيجة؟ أولاً: لعب الإخوان لعبتهم التاريخية المضادة والمعتمدة على البراجماتية النفعية، ففى البداية قد ركبوا موجة الثورة ولم يرفعوا أى شعارات دينية وتحدثوا عن الدولة المدنية، وأكدوا أنهم مع المشاركة لا المغالبة، ثم كانت نتيجة استفتاء 19 مارس الماضى التى أخذها التيار الإسلامى على اعتبارها استفتاء على التيار وعلى الدولة الإسلامية وعلى تطبيق الشريعة كما يرى التيار، لا كما يرى وكما عاش المصريون، وهنا قد وجدناهم يعيشون حالة الاستكبار ويمارسون شهوة الغرور، ويسقطون كل ما هو متوافق عليه ومتفق حوله.
وكالعادة قد اعتمد التيار الإسلامى جميعه على اللعب بالدين واستغلاله لدغدغة عواطف الجماهير المتدينة بطبيعتها، إضافة لتلك الخريطة الاجتماعية المعتمدة على توزيع المساعدات العينية التى تحولت إلى خريطة انتخابية، والأهم هو ذلك الاستقطاب الطائفى «مسلمين - مسيحيين» الذى رُميت بذوره فى تربة المناخ الطائفى فى الاستفتاء الماضى فأنتجت ثمارها فى هذه المرحلة، فكان التصويت على تلك الأرضية البغيضة بعد اختيار الأقباط بشكل شبه جماعى للكتلة كبديل للمدنية ضد الدينية، إضافة لذلك تقاعس التيار المدنى بكل أحزابه القديمة والجديدة وبمجمل ائتلافاته عن القيام بالدور السياسى المأمول وسط الجماهير، ومن الواضح لو سارت الأمور على هذا المنوال ويمكن أن تسير فسيحصل التيار الإسلامى على الأغلبية، مما أفزع الشارع ليس القبطى فقط، وهذا مبرر، ولكن كل أصحاب الدولة المدنية، وذلك على ضوء تلك التصريحات التى ستعود بنا بالخلف مئات السنين، إضافة لبعض الممارسات التى تنبئ بممارسات لا علاقة لها بالسياسة، فى الوقت الذى لا يختلف فيه أحد حول المادة الثانية، فإذا كان التيار يريد نفس الأهداف ويسعى لتحقيق ذات المبادئ فلماذا هذا الصراع بين فصائله؟ فنحن لا نعلم أى رؤية ستكون رؤية الإخوان الممزوجة برؤية سياسية، أم الأخرى التى لا علاقة لها بالسياسة، على كل الأحوال لابد باسم الديمقراطية من قبول النتيجة، وهذا يعنى أن الانتخابات هى الفيصل أولاً وأخيرًا، والأهم أن حاجز الخوف قد انكسر والتحرير سيظل حتى تظل مصر لكل المصريين لا لفصيل بذاته ولا لتيار بعينه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة