انتهى عام 2011 زمنياً، لكنه يبقى فى تاريخ الشعوب متميزاً عن أعوام كثيرة مضت، وربما يكون العام الوحيد فى التاريخ الذى شهد عدة انتفاضات شعبية ضد الأنظمة الحاكمة فى عدة دول، وتقريباً فى توقيت واحد، وكانت الشرارة الأولى فى تونس ثم الانطلاقة الكبرى فى مصر التى أطلق عليها البعض اسم "قاطرة الربيع العربى".
هذا الربيع الذى أتى ثماره بالإطاحة بأربعة أنظمة فى تونس ومصر وليبيا واليمن، والبقية تأتى، ولقد امتدت رياح الربيع العربى لتشمل المنطقة العربية من المحيط للخليج، فلم تترك بلداً إلا ومسته بشكل مباشر أو غير مباشر، وحتى البلدان القليلة التى لم تشهد شوارعها احتجاجات شعبية استنفر الربيع العربى أنظمتها الحاكمة، فبادرت بطرح سياسات إصلاحية ومشاريع خدمات اجتماعية كبيرة، وتجاوزت رياح الربيع العربى البلدان العربية إلى مناطق ودول أخرى قريبة وبعيدة، حتى إسرائيل التى لم تعرف فى تاريخها الاستيطانى الاستعمارى مظاهرات مستوطنين يهود كبيرة ضد سياسات الحكومة شهدت لأول مرة فى هذا العام مظاهرات حاشدة.
والملفت للنظر أن المتظاهرين الإسرائيليين رفعوا فى تل أبيب لافتات كتب عليها "هنا القاهرة" و"هنا ميدان التحرير"، مما يؤكد ريادة الثورة المصرية، وحتى فى لندن وقف نائب بريطانى فى الشارع يخطب فى الناس مناشداً حكومته قائلا، "علمونا القيم المصرية وليس البريطانية"، ووصل الربيع العربى إلى نيويورك التى رفع فيها أنصار حركة "احتلوا وول ستريت" لافتات مكتوبا عليها "هنا ميدان التحرير"، ويقول كارل ديغين، منسق الحركة فى ولاية أريزونا الأمريكية، "ما يحدث الآن معنا هو ذاته ما حدث مع شباب ميدان التحرير بالقاهرة، يريدون وأد حركتنا فى مهدها، ولكننا درسنا الثورة المصرية ونطبق ما تعلمناه منها".
وتقول أنتونيللا أورييا، باحثة فى العلوم السياسية بجامعة جنوب كارولينا وقيادية فى حركة "احتلوا وول ستريت"، "لقد تحولت الثورة المصرية إلى نموذج متميز للديمقراطية الأفقية والتفكير الجمعى، وهذا ما نسعى لتطبيقه هنا فى وول ستريت"، ويتحدث الموسيقار الأمريكى الشهير هيربى هانكوك، لصحيفة "هوليوود توداى" قائلا، "إن ما قام به الشباب المصرى يعتبر خطوة فريدة على طريق الإصلاح فى الشرق الأوسط والعالم أجمع".
وللأسف، بينما ينظر العالم هذه النظرة للثورة المصرية العظيمة ويرى فيها القدوة والنموذج والريادة فى الربيع العربى والصحوة الشعبية العالمية، تصغر هذه الثورة فى أعين البعض من أصحابها الذين يتصارعون على مقاعد السلطة، بينما يتآمر عليها أصحاب العقول المريضة من اللصوص والفاسدين والعملاء الحالمين بإجهاضها، وما يحدث فى مصر من أحداث مأساوية وإجرامية ضد الثورة والثوار، وما يجرى فيها من مخططات لإجهاض وإفشال الثورة الرائدة، إنما هو دليل واضح على مدى أهمية هذا البلد إقليميا ودوليا، ومدى أهمية ثورته الريادية، ليس فقط كنموذج تقتدى به باقى الشعوب ويقض مضاجع الأنظمة الحاكمة فى كل أنحاء العالم، بل أيضا كحدث تاريخى ستؤدى تداعياته ونتائجه حتما إلى تغيير موازين القوى الإقليمية والعالمية، وهذا ما يفسر كل ما يحدث فى مصر الآن من أحداث ومحاولات لتشويه الثورة والثوار المصريين.
وليس الأمر فقط مجرد بلطجية ومجرمين من أعداء الثورة يثيرون الفوضى وأعمال التخريب ويندسون ويقتلون الثوار، ولكن هناك جهات أجنبية غربية وإقليمية صاحبة مصالح أساسية وحيوية فى إفشال هذه الثورة وتشويهها، أو على الأقل الحد من انطلاقتها نحو تحقيق أهدافها، وهؤلاء هم " اللهو الخفى" الذى يتحدثون عنه فى مصر الآن، والذى يستخدم عملاؤه من المصريين من أصحاب المال والمصالح الخاصة الذين كونوا ثرواتهم المليارية فى أحضان النظام الفاسد المخلوع، والآن ينفقون الملايين على البلطجية والشبيحة والمجرمين، وأيضا على البدعة التى اخترعوها فى ميدان العباسية تحت مسمى "الأغلبية الصامتة"، ولكن هيهات لهم أن يوقفوا عجلة التاريخ أو يعيدوها للوراء.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة