الحرب الضروس الذى شنها الليبراليون وبعض اليسار فى مختلف القنوات الفضائية، على التيار الإسلامى، لم تنقطع بعد إعلان نتائج المرحلة الأولى للانتخابات، والتى فاز فيها الإخوان بأكثر من 80 مقعدا بالقائمة والفردى، وكانت أهم أدوات هذه الحرب تكيل الاتهامات بالرجعية والسعى الحثيث لهدم مدنية الدولة، وفرض المبادئ الإخوانية على المجتمع المصرى.
بل وصل الأمر بالكتل الليبرالية لأن تعقد تحالفا، مدعيه أن هذا التحالف من أجل المحافظة على مدنية الدولة، ومواجهة مخططات الإسلاميين الشيطانية، وهنا لابد أن نطرح السؤال: هل سيهدم الإخوان بالفعل مدنية الدولة؟ وللأسف الكتل السياسية الليبرالية، التى تدعى أنها الصفوة المثقفة، والناقذة للمجتمع المصرى من الظلاميين!، لم يكلفوا أنفسهم أن يقرأوا كتب وأفكار الإخوان، أو حتى مشروعات القوانين التى تقدموا بها للبرلمانات التى شاركوا فيها، لأنهم لو قرأوا لعلموا أن كل مشروعاتهم القانونية تصب فى تدعيم مدنية الدولة، ورحمة الله على المستنير الإخوانى ومرشد الجماعة الأسبق، المستشار الهضيبى والذى تقدم للبرلمان أثناء عضويته به لتصور مدنى إسلامى، أجمع فقهاء القانون وقتها على عظمة هذه الرؤية ومدنيتها.
والذى لا يعلمه الكثير منهم، أن الأمر ليس بهوى الإخوان أو غيرهم، فالإسلام العظيم أقر مدنية الدولة ولا يستطيع أن يخالف ذلك، بل الإسلام أقام دولته على المؤسسية التى هى أهم أسس الدولة المدنية، فقد نجح الرسول الكريم محمد- صلى الله عليه وسلم- فى أن يرسخ دولة المؤسسات، وأن يهيكل حكومته على اختيار الأصلح، ورسخ مبدأ الشورى الملزمة التى لا تختلف مع معانى الديمقراطية الحالية، وخلّص العرب من العشوائية السياسية والقبلية التى تتنازع على أتفه الأسباب، وكلنا يعلم كيف كانت أحوال العرب سياسيا واجتماعيا واقتصاديا قبل بعثة الرسول الكريم. إن التشريع الإسلامى وضع نظاما متكاملا لأسس الحياة، ووضع الخطوط العريضة للتعاملات، ورسخ المبادئ والأخلاقيات التى ترتفع وتسمو بالإنسانية، وأعطى الفرص للبشر أن ينظموا حياتهم بما يتناسب مع تطورات العصر، فالتشريعات الملزمة مثل الحدود والفرائض والحلال والحرام لا تزيد على نسبة %40 من مجريات الحياة، بينما نجد أن هناك %60 من تنظيمات الحياة البشرية، تقع تحت مظلة المصالح المرسلة التى ترك الله لعباده تنظيمها بالطبع بما لا يخالف مبادئ العدل والمساواة وتكافؤ الفرص، مع العلم أن الأصل فى كل أمور الحياة الإباحة إلا ما جاء فيه نص.
وهذا ما رسخه الإخوان فى منهجهم، فهم أكدوا أن الإسلام دين ودولة، أى دولة حضارية تضيف للعالم وتسعى لترسيخ مبادئ الأخوة الإنسانية، وتقدم للبشرية ما ينفعها، وتحذر مما يضرها، وتدفع بكل قوة نحو الاستفادة من وسائل التقنية العصرية، كما أقر الإخوان الحرية الشخصية بمختلف درجاتها، لكنها مشروطة بالحفاظ على حرية الآخرين، ومبادئ المجتمع التى يتبناها، كما يقر المشروع المدنى الإسلامى الإخوانى حرية الاعتقاد ومبدأ المواطنة، متأسين فى ذلك بالنبى الكريم الذى حافظ من الوهلة الأولى على النسيج الوطنى لدولته بالمدينة ويوقع وثيقة مدنية من الطراز الأول، أقرت حقوق المخالفين له فى الاعتقاد، ووقع معاهدات مع اليهود من أجل دمجهم فى المشروع المدنى الإسلامى الذى تمتعوا من خلاله بكل مبادئ المواطنة، وظل المسلمون محافظين على عهودهم حتى نقض اليهود عهودهم.
أتمنى من إخواننا فى مختلف القوى السياسية، أن يقرأوا مبادئ الآخر، حتى إذا أرادوا أن ينتقدوه فيكون لديهم بصيرة بمخالفيهم، لكنه الهوى الذى يعمى العيون، ومجافاة الحق الذى يدفع للكفر بالحريات، والإعجاب بالذات الذى لا يجعل الشخص لا يرى إلا نفسه، والإقصاء الذى يزج بالبلاد فى نيران الفرقة والتشرذم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة