لا مناص من الاعتراف بأن ثورتنا المصرية المجيدة قد تم الغدر بها، فقتلت فى المهد قبل أن تشد أزرها وتتزين بقوة الصبا والشباب، لا أحد يعرف بطبيعة الحال بأى ذنب قتلت سوى الذين آل إليهم حكم مصر بعد طرد حسنى مبارك من عرين الرئاسة!
أرجوك أن تعود إلى الوراء قليلاً لتتذكر الكلمة القصيرة التى ألقاها اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية مساء 11 فبراير ليعلن فيها (تخلي) مبارك عن الحكم، وليس (تنحيا). لقد قال الرجل بوجه جهم وبالحرف الواحد (فى هذه الأوقات العصيبة قرر الرئيس..)، والسؤال أوقات عصيبة على من؟ لقد كان الشعب كله فى حالة رائعة من الثقة بالنفس والاعتداد بالذات، يملؤه شعور طاغ بقدراته اللانهائية فى تغيير الأوضاع البائسة، فكيف تكون (الأوقات عصيبة) عليه؟ إذن فالأوقات العصيبة كانت على الطبقة الرأسمالية الحاكمة ونظامها السياسى الفاسد والجاهل، لا على الشعب الثائر والجسور! لأن ثورة الشعب المصرى العظيم وخروجه بالملايين آنذاك يهدد مصالح هذه الطبقة ويجردها من أرباحها الحرام وسلطاتها المهولة.
من هنا يمكن أن نفهم ماذا حدث لثورتنا العظيمة، وكيف تم إجهاضها بكل هذه البساطة والخبث، ذلك أن النظام السياسى الذى يحكمنا منذ عقود قرر الاستغناء عن مبارك وعائلته حين أصبحوا عبئاً على هذا النظام الذى يسعى منذ 11/2/2011 لإعادة ترميم نفسه بعد الشروخ الكبيرة التى طالت بنيانه المهترئ.
لاحظ أنه لم تكن هناك فروق جوهرية لو صار حكم مصر إلى عمر سليمان أو أحمد شفيق بدلاً من المجلس العسكرى، ذلك أنهم جميعاً يمثلون الطبقة التى تحكمنا، وإن بدرجات متفاوتة، فأفراد هذه الطبقة متكاتفون فى مواجهة أى ثورة يقوم بها الشعب مطالباً بحقوقه المنهوبة، باحثاً عن العدل والحرية والديمقراطية. وعليه يصبح من السهل جداً فهم قرارات المجلس العسكرى الملتوية وتصرفاته الغريبة التى تهدف بالأساس إلى قتل الثورة، ونفخ الروح فى نظام مبارك بعد أن كان قد شارف على الوفاة!
دعنى أسألك: هل كان من الممكن أن نسمع عن ظاهرة (أبناء مبارك) هذه بعد نجاح الثورة مباشرة فى خلع الرئيس؟ بالطبع لا. ذلك أن الطبقة المصدومة بما حدث ونظامها السياسى المترنح آنذاك لم يكن يستطيع أن يبدى أى ولاء لمبارك بعد أن انتفضت كل هذه الملايين ضده، لكن بعد أن استعادت الطبقة سيطرتها، واسترد نظامها السياسى ثقته بنفسه عن طريق التباطؤ والتواطؤ فى إصدار القرارات الثورية التى طالب بها الثوار مدعومين بطبقات الشعب المقهورة (الشروع فى محاكمة مبارك ورموز نظامه بعد شهرين كاملين من سقوطه دليل قاطع على هذا التباطؤ والتواطؤ)، ثم إلهاء الناس فى دوامة الانفلات الأمنى والدستور أولاً أم الانتخابات والتعديلات والطوارئ والمحاكمات العسكرية للمدنيين ومأساة ماسبيرو وتعذيب الناس (سجين طره المقتول عصام عطا مثالاً)، علاوة على التمسك بحكومة عصام شرف الباهتة إلى آخره.. أقول كل هذه الفوضى المفتعلة ثم الارتباك فى إصدار القرارات كان مقصوداً، والهدف منه واضح وجلى وهو: استعادة عافية النظام السياسى المجروح، وتمكين الطبقة الرأسمالية التى يمثلها من السيطرة مرة أخرى على مقاليد الأمور من أجل استمرار النهب المنظم لخيرات مصر وإذلال شعبها الطيب والصبور! وها قد مرت تسعة أشهر على سقوط مبارك، ولم تتحسن أحوال الفقراء، ولا تلوح فى الأفق أية إشارة جادة توحى بأن الإنصاف سيطول ملايين العمال والفلاحين والموظفين الصغار والعاطلين عن العمل والذين يزيد تعدادهم عن أربعين مليون مصرى!
حسناً.. إذا كان هذا التحليل صحيحاً، وأظنه صحيح، ماذا نحن فاعلون لنستعيد بهاء الثورة المغدورة، ونحقق أحلامنا التى ثار من أجلها الملايين، فنهتك ستار الغموض الذى يلف مستقبلنا؟ لا حل سوى أن تظل جذوة الثورة مشتعلة، وأن يضغط الملايين على أصحاب القرار السياسى (المجلس العسكرى حتى هذه اللحظة) من أجل تحقيق مطالب محددة وواضحة، علماً بأن ألاعيب وأكاذيب وبطش الطبقة المسيطرة لا تنفد ولا تنتهى، لذا ينبغى ألا نستسلم لليأس وألا يقهرنا القنوط إذا لم تتم الاستجابة لمطالبنا المشروعة فى التو واللحظة، كما ينبغى أن نفرق جيداً بين الأحزاب والتحالفات التى تساند الطبقة الحاكمة وتنتمى إليها وتعزز حكم العسكر (مثل الأخوان المسلمين والسلفيين وأتباعهما والوفد والأحزاب الكرتونية التى كانت ديكوراً لنظام مبارك). وبين الأحزاب الشريفة التى تضع نصب أعينها تحقيق مطالب الغالبية العظمى من الفقراء وهى العيش بكرامة وحرية لنشيد مجتمعاً أكثر عدلاً وجمالاً، وهو ما يحتاج فيما يبدو إلى ثورة جديدة!
عدد الردود 0
بواسطة:
حسن
من أروع ما قرأت
التعليق فوق
عدد الردود 0
بواسطة:
gehanhany
!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
على فكرة بقى انت بتقول اى كلام !
عدد الردود 0
بواسطة:
عبد الرؤف حمدى جاد (حمادة حمدى)
رسالة صادقة من القلب
عدد الردود 0
بواسطة:
جمال عبد الناصر
إلا هذه الكلمه
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد الجمل
يارب احمى الثورة