براء الخطيب

المفاوضات المباشرة بين تصفيق الموافقين وعجز الممانعين

الإثنين، 13 سبتمبر 2010 07:06 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ذهب رئيس السلطة الفلسطينية وجماعته إلى المفاوضات المباشرة مع نتانياهو وجماعته بغطاء شرعى من منظمة التحرير الفلسطينية، وبموافقة علنية وتصفيق ترحيب حقيقى من الأنظمة العربية الموافقة (يسمونها الأنظمة العربية المتواطئة) وخرس كامل من الأنظمة العربية الرافضة (يسمونها الأنظمة العربية الممانعة) وبين المتواطئين والممانعين يتجلى العجز العربى فى أقبح صوره، وسبق أن قلنا إن "نتانياهو" سوف ينتصر فى النهاية لسبب جوهرى هو انهيار إستراتيجية فلسطينية موحدة وقادرة وتشظى جدار الوحدة الفلسطينى فى مواجهة الجدار العازل الصهيونى الذى نجح فى عزل وتفتيت لحمة المنظمات الفلسطينية التى تتكون منها منظمة التحرير الفلسطينية والمنظمات التى نشأت بعد تكوين منظمة التحرير، وبالتالى لم تنضم لعضويتها، فأنظمة "الموافقة" فضلت الترحيب دائما النفوذ الأمريكى والتزامه "الأدبى" و"العملى"، كما استمرت تلك الأنظمة فى عداوتها لـ"حماس" التى كانت العنصر الأكثر تأثيرا فى انهيار الوحدة الفلسطينية، بالإضافة إلى ضعف السلطة الفلسطينية وعدم استطاعتها السيطرة على الأمور بداخلها وخارجها أيضا، وبالرغم من أن نظام الحكم فى مصر يأتى على رأس أنظمة "الموافقة" إلا أنه حافظ دائما على مكانته بصفته اللاعب العربى الأساسى فى القضية الفلسطينية بالرغم من العجز التاريخى للنظام المصرى نفسه فى مواجهة القوة الأمريكية الداعم للغطرسة الإسرائيلية، يأتى بعد ذلك نظام الحكم الأردنى فى الأهمية ضمن قائمة أنظمة "الموافقة" بعد أن شهدت العلاقة بينه وبين "حماس" تحسنا فى العامين الأخيرين وتحديدا بعد أن أقال ملك الأردن مدير المخابرات الأردنية "محمد الذهبى" واعتذار نظام الحكم فى الأردن عن استضافة المؤتمر السادس لحركة "فتح" فى مغازلته العلنية وخطب ود "حماس"، مما دفع "فتح" لعقد مؤتمرها فى الضفة الغربية، بل إن الملك عبد الله الثانى قام بحل مجلس النواب الأردنى وقام بتشكيل حكومة جديدة فى نهاية العام الماضى فى محاولة منه تحسين علاقاته مع قيادات الإخوان المسلمين فى الأردن الذين هم فى الأصل من أصول فلسطينية وعلى درجة وثيقة جدا بـ"حماس"، أما المملكة العربية السعودية والمصنفة طبعا من دول "الموافقة" فلم تورط نفسها فى مسألة "الوحدة الفلسطينية" وفضلت النأى بنفسها عن الخوض فى مستنقع "الانقسام الفلسطينى" ولو حتى بمحاولة ردم هذا المستنقع فلم تشارك فى المؤتمر الوهمى بـ"الدوحة" كما أنها بقيت على حالها بصفتها أكبر داعم مالى رسميا وشعبيا للفلسطينيين، غير أن فتور العلاقة بينها وبين "حماس" استمر على نفس حالته حتى عندما وافقت على استقبال "خالد مشعل"، ثم تتابعت استقبالات بعض دول الخليج (الإمارات، البحرين، قطر، الكويت) لقيادات "حمساوية" فى محاولة منها لكسر برودة العلاقة بين دول الخليج و"حماس" نتيجة لتكريس "حماس" للانقسام الفلسطينى وعدم توقيعها على ورقة المصالحة التى كان النظام المصرى قد اقترحها لإنهاء هذا الانقسام الذى باركته الولايات المتحدة وإسرائيل دائما.

إذا كان هذا هو الملخص المختصر جدا لمواقف، دول "الموافقة" فإن الملخص المختصر جدا لعجز دول "الممانعة" لأسباب متعددة، وسوف يكون نظام الحكم فى "سوريا" على رأس قائمته فقد دأبت "سوريا" دائما على لعب دور القائد الصارم فى ثكنة "الممانعة" العربية، منذ بداية معسكر "الصمود والتصدى" وحتى نهايته، غير أن "سوريا" ظلت محافظة على موقعها الثابت والمتمترس على مسافة متساوية بين فرقاء "الانقسام الفلسطينى"، وفى عبارة أكثر وضوحا فقد ظلت "سوريا" واقعيا وفعليا فيما يتعلق بوحدة الصف الفلسطينى على مسافات متساوية بين "فتح" و"حماس" على خلاف ما يبدو على السطح فقد استضافت على أرضها كل المنظمات الفلسطينية ومن بينها "فتح" و"حماس"، وكقيادة لدول "الممانعة" فقد ذهبت سوريا فى "الممانعة" إلى المطالبة بإعادة النظر فى مبادرة السلام العربية إذا ما استمرت إسرائيل فى عدوانها وحصارها للشعب الفلسطينى فى "غزة" وإن كانت "سوريا" مستمرة فى السير على المسار التفاوضى الإسرائيلى / السورى، حيث كان يتم ذلك بشكل غير مباشر من خلال الوساطة التركية، إلى أن انتهى هذا المسار التفاوضى غير المباشر فى العام الماضى بعد أن وصل "نتانياهو" لرئاسة الوزراء فى حكم إسرائيل.

أما "الممانعة" الإسلامية فقد استمرت فى نفس "فنجرة البق"، حيث استغرقت "منظمة المؤتمر الإسلامى" فى إصدار البيانات العنترية الجوفاء المنددة بالاعتداءات الإسرائيلية على الأرض والمقدسات، وفى المطالبة برفع الحصار وظهر جليا أنه من المستحيل أن يوجد ما يوحد هذه الأنظمة "الإسلامية" فى تعاطيها مع مسألة المفاوضات المباشرة بل فى تعاطيها مع قضية فلسطين ككل بسبب الخلافات المذهبية والارتباطات بينها وبين أوروبا وأمريكا مما يؤكد على أن هذه الأنظمة ليس بينها سبب واحد يجمعها فيما يوجد بينها الكثير من الأسباب التى تفرقها، ويقود هذه الأنظمة نظامان محددان هما النظام الإيرانى والنظام التركى، وموقف النظام الإيرانى واضح ومعروف للجميع غير أن إيران سوف تجد نفسها عاجزة تماما للتعاطى مع الملف الفلسطينى وسوف تظل تتعامل معه إعلاميا فقط بالصراخ والزعيق لسيطرة ملف علاقاتها مع الولايات المتحدة على كل تصرفات النظام الإيرانى الذى سوف يستمر فى دعم "حماس" مما يزيد الانقسام الفلسطينى، وسوف يعكس هذا عجز إيران فى التعاطى مع ملف المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين وإسرائيل لاسيما أن ملف الوضع الداخلى فى إيران سوف يكون عاملا هاما من عوامل العجز الإيرانى كدولة "ممانعة" للانشغال الإيرانى داخليا بين الاتجاهات الإصلاحية والنظام الإيرانى الحاكم.

ومن المؤكد أن هذه المفاوضات المباشرة تتم فى مرحلة حاسمة متراوحة بين ضعف، أو تواطؤ، أنظمة "الموافقة" وعجز أنظمة "الممانعة" ولن تصحوا قضية فلسطين وتفتح أعينها بين عشية وضحاها لتشهد تغيرات جذرية فى مواقف أنظمة الحكم العربية، لأن ما يشغل هذه الأنظمة من هموم وكوارث محلية فى شئونها الداخلية سوف تظل هى ثقل الحديد الذى يربط هذه الأنظمة ويشدها للغرق فى بحر المفاوضات المباشرة وغير المباشرة بعيدا عن طوق النجاة الأمريكى حول عنق إسرائيل مما يجعل إسرائيل بقيادة "نتانياهو" هى الناجى الوحيد، وسوف يظل حلم الحل النهائى والسلام العادل والشامل مؤجلا لتوقيت لا يعلمه إلا علام الغيوب.

• كاتب وروائى مصرى








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة