بين الحين والآخر يخرج علينا بعض الكتاب الذين يستظلون بحرية التعبير، ويتشدقون بدعوات الإبداع، ويرفعون رايات حرية الفكر، ويحاولون طرح كل القضايا على مائدة النقاش حتى لو كانت تمس النصوص المقدسة أو ثوابت وقيم وهوية المجتمع.
وقد أقر الإسلام الحرية للإنسان وجعلها حقا من حقوقه واتخذ حرية الفرد دعامة لجميع ما سنه للناس من عقيدة وعبادة ونظم وتشريع، وتوسع الإسلام فى إقرارها ولم يقيد حرية أحد إلا فيما فيه الصالح العام واحترام الآخرين بعدم التدخل فى شئونهم وإلحاق الضرر بهم، لا فى أعراضهم ولا فى أموالهم ولا فى أخلاقهم ولا فى أديانهم ومقدساتهم، وقد ارتبطت الحرية فى الإسلام بالحقوق والوجبات الخاصة بكل شخص وتوالت آيات القرآن لتعطى الحرية العقائدية لكل البشر فيقول ربنا فى كتابة العزيز "لاَ إِكْرَاهَ فِى الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَى فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيم" وقال تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِى الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءتْ مُرْتَفَقًا [5]) لكن دون الاعتداء على معتقدات الآخرين.
وتناسى المتطاولون على المقدسات أن حرية الرأى والتعبير تكمن فى التعبير عن الأفكار والآراء عن طريق الكلام أو الكتابة أو الفن بدون رقابة أو قيود حكومية بشرط ألا يخرق ذلك مقدسات أو قوانين وأعراف الدولة فأنت حر ما لم تتعد على الآخرين فى معتقداتهم وحريتهم.
لكن ما نعيشه هذه الأيام من ترك الحبل على الغارب، للطاعنين فى المقدسات الدينية خاصة الإسلامية، يعد نبتا شيطانيا غريبا من مجتمعاتنا المتدينة بطبيعتها، وأرى أنه يهدد الأمن والسلام الاجتماعى، ويسمح للأفكار المتطرفة والمتشددة بالنمو والظهور من جديد.
وأرى أن من بنى جلدتنا من يحاولون أن ينسلخوا عن حضارتهم وثقافتهم ليبقوا بلا جذور تتقاذفهم الأمواج تجاه الشرق تارة وتجاه الغرب تارة، ويرفعون رايات التغريب فلا هَمَّ لهم إلا النيل والهجوم على الثوابت الدينية تحت شعارات التنوير وهى فى الأصل شعارات للتضليل، فتلك الشرذمة تعد يد الغرب الطولى فى أمتنا، ويحاولون من خلالهم النيل من الإسلام ورسوله وسنته المطهرة.
وقد جاء فى إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان الصادر عن المؤتمر الإسلامى التاسع عشر لوزراء الخارجية فى 05/08/1990م فى مادته الثانية والعشرين.
(1) لكل إنسان الحق فى التعبير بحرية عن رأيه بشكل لا يتعارض مع المبادئ الشرعية.
(2) لكل إنسان الحق فى الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وفقا لضوابط الشريعة الإسلامية.
(3) الإعلام ضرورة حيوية للمجتمع، ويحرم استغلاله وسوء استعماله والتعرض للمقدسات وكرامة الأنبياء فيه وممارسة كل ما من شأنه الإخلال بالقيم أو إصابة المجتمع بالتفكك أو الانحلال أو الضرر أو زعزعة الاعتقاد.
(4) لا تجوز إثارة الكراهية القومية والمذهبية وكل ما يؤدى إلى التحريض على التمييز العنصرى بكافة إشكاله.
وأيضا جاء فى إعلان (روما) حول حقوق الإنسان فى الإسلام الصادر عن الندوة العالمية حول حقوق الإنسانية فى الإسلام (27/فبراير /2000م) واعتمدت على بندين .
المبدأ الأول هو أهمية ربط حقوق الإنسان بمرجعية تراعى المعتقدات والقيم الدينية التى أوصى بها الله سبحانه وتعالى على لسان أنبيائه ورسله .
المبدأ الثانى طالب بضرورة ربط الحقوق بالواجبات من خلال مفهوم يرتكز على قاعدة التوازن بين وظائف الإنسان واحتياجاته فى بناء الأسرة والمجتمع وعمارة الأرض، على نحو لا يتعارض مع إرادة الله تعالى.
ويجرم الميثاق الدولى للحقوق المدنية والسياسية الصادر عام (1966م) وصدقت عليه حتى الآن (144) دولة، التمييز الدينى كما ينص إعلان الأمم المتحدة الذى تبنته عام (1981م) ومن ضمن ما نص عليه هذا الميثاق إنشاء وصيانة أماكن العبادة أو التجمع لممارسة دين أو معتقد وإنشاء وصيانة أماكن لهذه الغاية.
كما تحتوى الوثيقة الختامية لمؤتمر فيينا على نصوص مشابهة لما ورد فى وثائق 1948 ، 1966م ، 1981م من حيث التأكيد والالتزام باحترام الاختلافات الدينية، وكذلك على ضمان التطبيق الكامل والفعلى لحرية الفكر والضمير والدين.
فالمواثيق الدولية والمحلية تحرم المساس بالمعتقدات، والمقدسات وعلى رأسهم الكتب المقدسة والأنبياء والرسل، وعلى عاشقى الشهرة البعد كل البعد عن مقدساتنا الإسلامية والمسيحية، فهذه خطوط حمراء لن يرحم المجتمع من يتعداها.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة