الدكتوره آنا دانيال.. طبيبة أمريكية شهيرة توقفت طويلا تتأمل وتدرس مشاعر كل زوجة، وماذا يعنى لها الزواج والحب والتفاهم والعلاقة مع زوجها.. ومن بين كثير كتبته دانيال.. كنت دائما أتوقف أمام هذه العبارة التى أكدت فيها أنه منذ لحظة مجيئنا إلى هذا العالم.. تتحول حياتنا إلى كفاح مستمر من أجل البقاء.. بعضنا ينجح وبعضنا يفشل فشلا ذريعا.. لكن مهما كانت درجة الفشل أو قسوته .. فإن الواحد منا مادام يرجع إلى بيته فيجد إنسانا آخر يحبه ويرعاه ويضمد جراح روحه فلن يشعر حينئذ أن حياته كانت ضياعا كاملا..
ولا أنكر أننى عدت منذ ثلاثة أيام فقط لكتب آنا دانيال ودراساتها ومقالاتها.. ولكتب ودراسات أخرى أيضا.. وأنا أقرأ وأتأكد أن الزوجة المصرية باتت عدوانية وغاضبة وعنيفة إلى حد أن تصبح أكثر زوجة فى العالم تضرب زوجها وتعتدى عليه جسديا ولفظيا حسب أحدث الدراسات واستطلاعات الرأى العالمية .. ولأننى لا أحب هذه الفواصل التى نضعها هنا فى مصر بين الظواهر الاجتماعية والأخلاقية والإنسانية وبين الواقع السياسى للناس، مؤمنا بعلاقة وثيقة تربط بين كل ما يجرى فى هذا الوطن ولكل من يعيش فى الوطن نفسه.. فمن المؤكد أن الفساد السياسى العام أدى إلى تفكك حتى على مستوى البيوت وعلاقات الأشخاص بأنفسهم وبكل الشخوص حولهم..
ولأن الرجل وسط كل هذا الفساد والضياع لم يعد آمنا على مستقبله أو قوته أو حتى كرامته فقد أصبح بيته هو معركته الأخيرة لإثبات رجولته واللحاق بمكانته قبل أن تضيع.. وباتت الزوجة بالنسبة لكثير من الرجال هى الشىء الوحيد الذى يمكن أن يملكه فى مجتمع متوحش يسرق كل شىء من أى أحد.. باتت الزوجة هى ساحة المسرح الوحيدة المتاحة لاستعراض القوى والنفوذ الذى ضاع فى الشارع والمكتب.. وفى الوقت نفسه.. لم تعد الزوجة المصرية فى المقابل على استعداد للسكوت أو التصفيق لهذا الممثل البائس المهزوم وهو يحاول القيام بدور المنتصر الزائف.
فالزوجة المصرية اليوم بعد ميراث طويل وحزين جدا من القهر والاستغلال لم تعد قانعة.. ولا هى ستقبل سلوك هذا الزوج باعتباره قدرا ليس فى وسعها الفكاك منه والاحتجاج أو التمرد عليه.. وبدأت هذه الزوجة تعيش قمة التوتر والاضطراب.. فقدت استقرارها النفسى وكل قناعاتها القديمة.. وتوحشت وتبلد لديها الوجدان والحس.. أصبحت على استعداد لأن تدير ظهرها لأسرتها وبيتها وأطفالها.. ثم باتت على استعداد لأن تضرب زوجها بعد أن اكتشفت أنه مثلها تماما فى هذا الوطن.. ضعيف ومهزوم وخاسر لكل معاركه خارج باب البيت.. وبالتأكيد هناك من سيريحه أن يغلق هذا الملف، مؤكدا أن ظاهرة ضرب الزوجات المصريات لأزواجهن وبمعدلات باتت هى الأولى عالميا.. مجرد ظاهرة عابرة لا تستحق التوقف أو الاهتمام السياسى.. أو أنها سلوك فاضح ومعيب، لكن ممارسته تقتصر على الفقراء فى بيوتهم الفقيرة والعشوائيين فى حياتهم العشوائية.. وهذا ليس صحيحا على الإطلاق.. فالظاهرة حقيقية.. عامة.. مزعجة.. وتطال الجميع فى مختلف البيوت دون فرق بين فقر وغنى وبين أكواخ أو قصور.. بل إنها تصبح أكثر تواجدا وتأثيرا فى صفوف الأغنياء والقادرين أكثر من الفقراء والذين باتوا يعيشون تحت خط الفقر.. لأن الذى خسر كل شىء ولم يعد لديه أمل فى شىء.. لن يخوض أى حروب جديدة لا هو ولا زوجته.. المشكلة فى الذى لا زال يريد أن يملك وينجح ولا تزال تحلم وتظن نفسها قادرة وتستحق ما هو أفضل.. هؤلاء هم الذين يدفعون ثمن الفساد والفوضى والحيرة والاضطراب.. وإذا كان البعض سيرفض الربط بين ذلك وبين الأوضاع السياسية والاقتصادية فأنا بالطبع أحترمهم وأحترم رؤاهم لكننى لا أوافقهم.. فالسياسة فى أبسط معانيها تعنى الاستقرار.. وبقاء نفس الوجوه لسنين طويلة لا يعنى مطلقا أى ثبات أو استقرار.. والسياسة تعنى خلق إحساس دائم لدى الجميع بأحلام وطموحات كثيرة لا تزال ممكنة.. وفسادها يعنى ضياع كل الأحلام.. وهو ما يجرى فى مصر الآن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة