طوال 15 عاماً من العمل فى جريدة الليموند الفرنسية الشهيرة لم يصل إلى "فرانسوا مونيه" سوى 3 رسائل و5 مكالمات تليفونية من قراء، أما الآن فالدنيا تغيرت فالتفاعل الحر والمباشر بين الصحفى والقراء يتم مباشرة عبر المواقع الإلكترونية، هذه الميديا التى وصفها زميلنا الفرنسى بأنها الخطر، وفى ذات الوقت الأمان.
كان هذا فى محاضرة مشتركة معه فى ساقية الصاوى نظمها المركز الثقافى الفرنسى منذ حوالى ثلاثة أسابيع.. وكان الأهم فيها بالنسبة لى أن ما تواجهه الصحافة المصرية هو ما تواجهه الصحافة فى العالم، ومن هنا كانت همومى وهموم فرانسوا المهنية تقريباً واحدة، فكلانا يواجه ذات التحديات الخطيرة التى تغير طبيعة العمل الصحفى فى كل مكان فى العالم، وتهدد أنواع من الصحافة بالانقراض، خاصة الصحافة المطبوعة، وهو ما يشكل ليس فقط تحدياً مهنياً، ولكنه تحدٍ شخصى أيضاً للصحفيين، فقد قال فرانسوا إن جريدة الليموند العريقة يتم بيعها الآن بسبب المشاكل المالية العنيفة التى تتعرض لها، والسبب الرئيسى فيها هو المنافسة الشرسة مع الصحافة الإلكترونية، كما أنه تم التخلص من 15 ألف صحفى كانوا يعملون فى الصحافة الورقية الأمريكية.
ربما هذا ما جعل الزميل فرانسوا يقرر منذ عدة سنوات أن يؤسس مع آخرين موقعاً إلكترونياً ناجحاً هو "ميديا بارت"، ولكنهم يفكرون الآن فى بيع جزء من خدماته حتى يستطيعوا توفير موارد مالية، وهى إشارة إلى أن هذه الميديا لن تظل إلى الأبد مجانية.
لكن الأخطر فى رأيى أمران، الأول هو طبيعة المستهلك اختلفت تماماً، فالمواطن يملك كل ما تملكه أكبر مؤسسة صحفية، على موبايله قسم تصوير وفيديو وتسجيل صوتى.. وعلى الكمبيوتر الشخصى يملك طبع ملايين النسخ مما يكتبه، ويمكنه نشر ما يشاء على مدونته.. فماذا سوف يبيع له الصحفيين؟
الأمر الثانى الذى ركزت عليه فى المحاضرة الممتعة هو أن المواقع الإلكترونية لا تشكل خطراً على الصحافة المطبوعة وحدها، ولكن أيضاً على الإذاعة والمحطات التليفزيونية، فهذا الوسيط الجديد جامع لكل الوسائط، يمكنك أن تقرأ وتسمع وتشاهد عليه، أى عليه جريدة مطبوعة وإذاعة وتليفزيون وما يمكن أن يظهر مستقبلاً.
الخلاصة أن العالم يتقدم بمعدل يفوق الخيال، واللحاق به ليس اختيارياً، لأن البديل لم يعد كما كان فى السابق هو التخلف، ولكنى أظن أنه الموت.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة