ياسر أيوب

ماسبيرو وأتوبيسات القاهرة

الخميس، 06 مايو 2010 08:52 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
المجتمعات والدول.. تماما مثل الأفراد والبيوت.. لابد لها من سياستين وإدارتين.. الأولى تختص بتسيير الأمور وتدبير الحوائج وقضاء المصالح يوما بيوم.. أما الثانية فهى استشراف المستقبل والتخطيط له وصناعته وليس الاكتفاء فقط بانتظاره. ولدينا فى العالم حولنا شواهد وأمثلة كثيرة لإدارات التزمت بالسياستين فى وقت واحد.. فالإدارة الأمريكية مهمومة دوما بأمريكا اليوم وأمريكا بعد عشرين أو خمسين أو مائة سنة.. ونفس الأمر بالنسبة للصين أو فرنسا أو الهند أو روسيا وتركيا وحتى إسرائيل. أما مصر.. فيبدو أن إدارتها اكتفت بتسيير أمورها يوما بيوم فقط ناسية أن هناك مستقبلا ليس فيه مكان أو حقوق لمن لا يجيدون إلا الانتظار فقط. ولست هنا أطلق اتهامات مرسلة أو أكتب لأن هناك مساحة هنا تحمل اسمى ولابد أن أملأها كل أسبوع بسكب الحبر على الورق.. وإنما أكتب بقلق وانزعاج حقيقى وباعتبارى أحد الملايين الذين لهم مصلحة فى هذا الوطن ويعنيهم حاضره ومستقبله.. وأظن أن ما يجرى على الساحة الآن أمام الجميع دليل واضح وقاطع على أن مصر يديرها من لا ينظرون لأبعد من أقدامهم.. أزمة مياه النيل وعدم الاتفاق مع دول الحوض والتهديد الحقيقى الذى بات يهددنا جميعا يؤكد أننا لم ننتبه قبل سنين لهذا الملف ولم نتعامل معه بجدية أو احترام وأدنى قدر من المسؤولية.

والمشروع القومى لتعمير وتطوير سيناء دليل آخر يؤكد أننا لا نجيد إلا الأغانى والشعارات والاحتفالات الصاخبة والساذجة فقط.. فليس من اللائق أن يأتى اليوم وزير للخارجية أو وزير للرى فى الحكومة المصرية ويتحدثان عن الحقوق التاريخية لمصر فى مياه النيل.. فهذه الحقوق التاريخية تعبير سياسى رومانسى اختفى من العالم كله الذى لم يعد يعترف أو يتعامل إلا باللغة العملية والحقوق والمنافع المتبادلة.. وليس من حق مصر أن تنسى النيل ودول حوض وادى النيل ومصالحها سنين طويلة ثم تأتى حين تقع الأزمة أو الكارثة فلا تجد نفسها تملك إلا لغة التاريخ وقصائد شعر الزمن القديم والجميل. حتى حين وقعت الأزمة.. تخيلت أن الإدارة المصرية ستتغير سياسيا وإعلاميا وسيعود الاهتمام الحقيقى بهذه المنطقة فى العالم التى تمثل لنا الروح والحياة والمستقبل.. ولكن أبدا.. لا السياسة تغيرت.. ولا الإعلام أيضا.. لا تغطية حقيقية وحميمة لانتخابات السودان، ولا سمعنا أى أحاديث إيجابية عن إثيوبيا أو حتى نوايا لعلاقة جديدة معها ومع بقية دول الحوض. ومنذ عشرين عاما ونحن نتحدث عن سيناء وتنميتها.. ولكننا لم نقم بأى خطوة حقيقية.. ومع احترامى لوزير السياحة ووزير النقل فى الحكومة المصرية.. إلا أن سيناء بالنسبة لمصر ليست فقط مقصدا سياحيا بحيث يخرج علينا وزير السياحة ويحصى عدد السائحين ويعتبر زيادة هذا العدد قمة نجاح الإدارة المصرية.. أو يخرج علينا وزير النقل سعيدا جدا بطرق سيناء التى بلغ إجمالى أطوالها ثلاثة آلاف كيلو متر ليس لها جدوى أو وظيفة إلا تأمين نقل هؤلاء السائحين.. وكل دارس لقواعد السياسة والاقتصاد يعرف أن التنمية ليست فندقا وسائحا وطريقا وبازار جديدا.. وإنما هى مجتمع حقيقى يجرى التخطيط له بعناية وترتيب واهتمام.. يعنى مدن حقيقية للناس وليس منازل إيواء لمن يعملون فى خدمة السياحة.. يعنى مدارس وجامعات ومستشفيات ومصانع ومزارع ودور سينما وأندية رياضية وهيئات ومكاتب.

ولو كانت الإدارة المصرية فعلا مهمومة بالتخطيط للمستقبل.. ما كانت أنفقت مليارات لا أول لها ولا آخر لترقيع القاهرة ومداراة عيوبها واختناقاتها واستثمرت هذه الأموال الهائلة لبناء واختراع سيناء أخرى حقيقية جاذبة لملايين من المصريين يعيشون فيها ويمارسون تفاصيل حياتهم كافة كمواطنين طبيعيين.. وقتها كانت السياحة ستكون أكثر ازدهارا وسيناء أكثر أمانا.. ولكن الإدارة فى بلادنا لا تزال تتخيل أن مشروعها القومى الحقيقى هو هدم مثلث ماسبيرو وبناء أبراج سكنية ضخمة مكانه على شاطئ النيل. لا أحد فى هذه الإدارة قال لنا رؤيته لمستقبل المنطقة بين الكورنيش وشارع الجلاء وميدان عبدالمنعم رياض حين نضيف إليها عشرين ألف بيت ومائة ألف إنسان وأربعين ألف سيارة.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة