لن أدافع عن البرادعى ولن أبايعه رئيسا لمصر أو زعيما وقائدا للتغيير.. ولن أحاربه أيضاً أو أرفضه وأسخر منه ومن مشواره وتجربته.. فلا يزال الوقت مبكراً قبل بدء انتخابات حقيقية للرئاسة، وإنهاء هذا السيرك الإعلامى المنصوب حالياً والمشغول فقط بالبحث عن تصفيق الجمهور لألعاب الأكروبات وكل ساحر أو بهلوان أو بلياتشو.. لكننى فقط أتمنى موافقة الجميع على إخراج السياسة من هذا السيرك.. وألا يتم عمداً إفساد كل المعانى الجميلة بدعوى محاربة البرادعى أو تعريته أو القضاء عليه قبل أن يبدأ.. فهذه المعانى تعنينى أكثر مما يعنينى البرادعى نفسه.. وأهم هذه المعانى هو الفكرة الأولى والأساسية وراء انتخابات الرئاسة.. أى يصبح مقعد الرئيس حلماً مشروعا لأى أحد.. حتى وإن لم يكن من قبل مهتما بالسياسة على طريقة أهل الحكم وأنصارهم.. ففى مصر الآن فريق يرى أن من يتجرأ ويتهور ويفقد عقله وصوابه وشرفه وتاريخه وقد يفقد حياته لترشيح نفسه رئيسا، لابد أن توحى مقدمات حياته وتفاصيلها القديمة بأن هذا الرجل ممكن فى يوم ما أن يغدو رئيساً للبلاد.. وهو منطق غريب جداً.. فمعظم رؤساء الولايات المتحدة وفرنسا ورؤساء حكومات إنجلترا ومستشارى ألمانيا كانوا مواطنين عاديين جداً قبل أن يقرروا ممارسة الحلم الكبير وبدء السباق الصعب نحو السلطة.. لم يطلب أحد منهم «فيش وتشبيه» سياسيا أو كشف حساب لكل سنواته السابقة.. مع أن أوباما كان طالب جامعة عابثا وكلينتون كان محامياً غير مهتم بالسياسة، ولا الولايات المتحدة نفسها، وبوش كان رجلا طامحا لإدارة شركات للبترول، وكارتر كان فلاحا يزرع الفول السودانى، وريجان كان ممثلا فى هوليوود. ثم إن الهجوم على البرادعى تضمن أيضا أكاذيب ومغالطات سخيفة ومزعجة للغاية.. يقولون إن البرادعى لا يعرف مصر ولم يحتك بكل المصريين ولم يعايش معاناتهم.. وكأن الآخرين هم الذين اقتسموا تلك المعاناة مع الجميع.. يقولون إن البرادعى لا يصلح رئيساً لأنه يعيش فى فيلا ضخمة داخل منتجع غال وأنيق.. وكأن الآخرين يعيشون فى عشش وأكواخ أو فى بيوت ضيقة وسط العشوائيات.. يقولون إن البرادعى يريد أن يصبح رئيسا رغم أنه يتواصل مع الناس عبر الإنترنت والفيس بوك والمظاهرات الإعلامية.. يسخرون من البرادعى لذلك، بينما حين يلجأ الآخرون لنفس الوسائل يعتبرونها ثورة وقمة التطور وملاحقة رائعة للعصر وآلياته ووسائله. ولكل هذا أطالب بإخراج السياسة وقواعدها الحقيقية من مثل هذا السيرك.. تماماً مثلما أطالب بإخراج الاقتصاد من سيرك آخر فيه أكثر من أى بلياتشو ومهرجان آخر.. وأستشهد هنا بالحذاء.. أى حذاء من الجلد الطبيعى والذى ثبت أن تكلفته فى المصنع لا تزيد علي خمسة وعشرين جنيها.. بينما يباع فى الاسواق بثلاثمائة جنيه.. وهذا يعنى أن نترك جانبا الأزمة المالية العالمية والتضخم وقوانين الاقتصاد العالمى ومعادلاته الحقيقية.. فالأزمة تخصنا وحدنا هنا فى مصر.. حيث مجتمع يوشك أن يتحول إلى غابة كل من فيها لابد أن يرفع شعار الخطف والجرى والولع بالاستحواذ على كل شىء فى أسرع وقت.. أو مجتمع باتت تحكمه عصابات للربح السريع مهما كان الثمن أو كان الضحايا هم الناس والقانون والمستقبل. فالحذاء فى المصنع.. هو الدجاجة فى المزرعة هو القميص قبل تغليفه هو السيارة قبل تجميعها هو اللبن قبل تعبئته.. وفوارق الأسعار بين الحقيقة هناك والواقع فى الشوارع والمحال والمعارض.. هو دليل فساد ذمم وضمائر وعجز دولة وحكومة.. وأنا أفضل هنا استخدام تعبير عجز الدولة باعتباره التعبير الأكثر تهذيبا لأن التعبير الآخر، الذى قد يكون الأوقع والأصدق، هو تواطؤ الدولة وموافقتها وسعادتها بكل ما يجرى. إننى لست سعيداً بجمال مبارك حين يقف فى إحدى قرى الدقهلية ويعلن رفضه لسفالة ووقاحة وإجرام نواب الحزب الوطنى الذين طالبوا بإطلاق النار على وجوه وصدور المتظاهرين والمضربين والرافضين والغاضبين والمعتصمين والمحتجين على أى وكل خلل وظلم وفساد.. فجمال مبارك ليس فى وضع الذى يكتفى بالضيق أو الغضب أو الاشمئزاز.. ولكنه قادر على قرارات حاسمة تمنيت أن يبادر بها دون انتظار فيطرد هؤلاء من حزب صدع رؤوسنا برغبته فى التطهير والتغيير، وأن يسمح لكل الإجراءات القضائية بأن تبدأ دون تعطيل أو مراوغة.. والأهم من كل ذلك ألا يفاجئنا هذا الحزب قريبا جدا باعتزامه ترشيح نفس هذه الأسماء والوجوه منتهية الصلاحية سياسيا واجتماعيا وأخلاقيا لخوض انتخابات جديدة للبرلمان.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة