لا أعرف الدكتور كمال الجنزورى بشكل شخصى.. لا تربطنى به علاقة قرابة أو نسب أو صداقة أو امتنان وإعجاب أو غيرة وغضب.. ولست ممن تستهويهم أدوار البطولة وتحقيقها على حساب مسئولين سابقين لم يعد لهم حق الرد أو الكلام.. ولكننى فقط أردت التوقف الآن أمام حملة إعلامية جديدة قامت من جديد تحارب الجنزورى كرئيس أسبق للحكومة، وتلعنه وتسخر منه بعدما تفجرت فضيحة تفاصيل بيع مائة ألف فدان بمنطقة توشكى للوليد بن طلال فى زمن حكومة الجنزورى.. ولست هنا أناقش تفاصيل العقد ولا الفدادين التى اشتراها أو سرقها أو اغتصبها الوليد.. وإنما أناقش المبدأ نفسه الذى لا يريد أحد حتى الآن التوقف عنده.
أناقش مسئولية الجنزورى عن هذا العقد، وهل كان قرار رئيس الحكومة أم لا.. أناقش حدود وصلاحيات واختصاصات أى رئيس للحكومة فى مصر.. والذى هو بالفعل بلا أى سلطة حقيقية أو صلاحيات واختصاصات على الإطلاق.. وهناك كثيرون فى المجال الإعلامى المصرى لا يعرفون ذلك.. أما الذين يعرفون فهم يحبون بقاء الوضع الحالى على ما هو عليه.. لأنه وضع مثالى ومريح للجميع.. فالذين يريدون الحرب على الورق أو على الشاشة، وتعجبهم أدوار وحكايات المعارضة الجادة أو الساخرة والانتقاد أو الهجوم.. يناسبهم جدا أن يكون رئيس الوزراء هو ضحية كل ذلك.. فالهجوم على أى رئيس للوزراء دائما هجوم آمن جدا.. يسمح بأداء أدوار البطولة دون أن تعقبه أى مشكلات أو أزمات.. وكانت النتيجة أن معظم أوراق أرشيف الإعلام المصرى وحروبه الكبرى وسخريته السياسية انصبت طول الوقت على رئيس الحكومة.. ليس رئيس الجمهورية ولا أى وزير من وزراء السيادة والسطوة.. دائما رئيس الحكومة.. مع أن الدستور المصرى ينص على أن رئيس الجمهورية هو الذى يضع السياسة العامة للدولة.. ويملك حق تعيين رئيس الوزراء أو إعفائه من منصبه.. والرئيس هو الذى يعين نواب رئيس الوزراء والوزراء ويعفيهم من مناصبهم.. وله الحق فى دعوة مجلس الوزراء للانعقاد وحضور جلساته.
كما أنه -وبنص الدستور- لا تعود هناك ضرورة أو دور لرئيس الوزراء إذا قرر رئيس الجمهورية فجأة حضور اجتماعات مجلس الوزراء أو الدعوة لانعقادها.. بل ويمكن لرئيس الجمهورية أن يلغى تماما وجود رئيس الحكومة ويطلب التقارير والمعلومات المباشرة من الوزراء دونما حاجة لرئيس حكومة أو حتى لاجتماعات مجلس الوزراء.
فى النهاية القرار هو قرار الرئيس.. وهذا بالضبط هو ما لا نريد الالتفات إليه أبدا.. هذا هو الدستور وهذا هو الواقع وهذه هى الحقيقة التى يصر كل السادة الإعلاميين على تجاهلها كلما تفجرت قضية أو كلما قرر أحدهم أو بعضهم أو حتى كلهم شن حرب جديدة على الفساد فى مصر.. وأنا للأسف لا أنوى مسايرتهم جميعا فى ذلك، ولن أكون مثلهم وأمسك بالقلم أو أقذف الجنزورى بالشتائم والاتهامات أو بالطوب والحجارة.. وما ينطبق على قضية التعاقد مع الوليد بن طلال والأرض فى توشكى.. ينطبق بالنص على قضية تعيين إبراهيم سليمان رئيسا لشركة الخدمات البترولية.. وألف قرار وقضية أخرى ليس رئيس الوزراء الحالى.. أو كل من سبقوه.. مسئولين عنها.. وهو ما أتمنى أن يعرفه ويقتنع به كل أساتذتى وزملائى سواء على الورق أو عبر شاشاتنا الرسمية والخاصة.. أتمنى أيضا وفى نفس الوقت أن نتخلص كلنا من الاستسهال فى الكتابة والكلام.. مثل أزمة أنابيب البوتاجاز.. والتى أصبح المتهم الأول فيها هو الدكتور على المصيلحى باعتباره وزيرا للتضامن الاجتماعى.. وهى نكتة سخيفة آن الآن أوان أن نكف عنها والضحك عليها.. أو الضحك بها على كل من يقرأ أو يسمع أو يشاهد.. فوزارة التضامن بكل اختصاصاتها الرهيبة.. الوهمية.. هى مجرد اختراع مصرى يختصر السياسة على الطريقة المصرية بكل ما فيها من فهلوة وتمييع للحقوق والواجبات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة