ناصر عراق

إبراهيم عيسى.. أمهرنا جميعاً

الجمعة، 15 أكتوبر 2010 04:56 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
هذه هى المرة الثانية التى أكتب فيها عن الكاتب الصحفى الكبير إبراهيم عيسى، أما المرة الأولى فكانت عندما أوقفوا الإصدار الأول من جريدة الدستور قبل عشر سنوات تقريباً، حيث كتبت مقالاً فى مجلة الصدى الإماراتية، التى كنت أشرف برئاسة القسم الثقافى فيها. كان عنوانه: ( دستور.. إبراهيم عيسى).

أذكر أننى كتبت فى نهاية هذا المقال هذه العبارة بالحرف الواحد: (إذا كانت الظروف قد حالت دون استمرار الدستور، فيكفى إبراهيم عيسى فخرا أنه خلخل المنظومة الرتيبة للصحافة المصرية، وسعى جاهداً لتأسيس صحافة جديدة تلبى احتياجات القارئ وتمتعه.. وأزعم أنه أصاب).

إن إقالة إبراهيم عيسى قبل أيام من جريدته التى أنشأها، أمر موجع للقلب حقاً، فالرجل الذى يعد أمهر أبناء جيلنا فى مهنة الصحافة، لا يجوز إزاحته هكذا من موقعه ببساطة، بعد أن استطاع أن يؤسس لمفهوم مغاير فى الصحافة المصرية، منذ أن أصدر الدستور لأول مرة فى 5 ديسمبر 1995، وبالمناسبة كان لى شرف الكتابة فى الأعداد الأولى قبل أن تفرق بيننا السبل.

لعلك تتفق معى فى أن اللحظة التى صدرت فيها الدستور للمرة الأولى قبل خمسة عشر عاماً، كانت لحظة فارقة فى تاريخ الصحافة المصرية، تلك التى كانت تكابد آنذاك أوضاعاً بائسة، حيث حافظت هذه الصحافة طوال عقود طويلة على النسق العام لها من حيث التحرير والتبويب والإخراج، الأمر الذى جعل الصحافة المصرية تخاصم العصر، لأنها وقفت ضد رياح التغيير التى عصفت بكل ما هو ثابت ومكين، من أول السياسة حتى الاقتصاد مروراً بالفكر والفن والرياضة.. إلخ.

من هنا تجلت عبقرية إبراهيم عيسى الذى استطاع "بدستوره" الأول أن يزيح غبار الملل عن هذه المهنة الجليلة، وأن يعيد للصحافة دورها البهى والناصع والمؤثر، الأمر الذى جعل كل - وأكرر كل - الصحف التى صدرت بعد الدستور تستلهم روحها، وتحذو حذوها بشكل أو آخر من حيث التحرير والإخراج.

لا أعرف بالضبط الأسباب الحقيقية التى أدت بالملاك الجدد إلى اتخاذ قرارهم القاسى بإبعاد إبراهيم عيسى عن منصبه التاريخى، لكن يبدو أن الأمر كان مدبراً وفقاً لما ينشر فى الصحف والمواقع الإلكترونية عن هذه الواقعة المؤسفة، وعلى الرغم من أن المصريين عاشوا حقبة لا بأس بها فى الفترة الأخيرة استمتعوا خلالها بهامش كبير من حرية الصحافة، إلا أن إزاحة إبراهيم تشير إلى أن الصدر الرحب للسلطة راح يضيق ويختنق، وأننا مقبلون على أيام وشهور قاسية بحق.

لا يخفى عليك أيضاً أنه من الوارد أن يكون هناك تعارض فى الطباع أو تصادم فى الأمزجة بين إبراهيم والملاك، أدى إلى مفاقمة الأزمة وعجّل بالوقيعة بينهما، بعد شهرين فقط من شرائهم للجريدة!

لا أظنك تختلف معى أيضاً على النفوذ المتزايد لرجال الأعمال فى تسيير وتوجيه شئون الصحف التى يمتلكونها، ومعهم حق، وفقاً لمصالحهم القريبة والبعيدة، ولعل المعارضة الجريئة والاستثنائية التى يرفع لواءها إبراهيم عيسى ضد النظام منذ سنوات، لم تكن فى صالح رجل الأعمال الذى ابتاع الجريدة مؤخراً، الأمر الذى دفعه لإصدار قرار إقالة أشهر رئيس تحرير مصرى فى الأعوام الأخيرة.

المثير أن الرجل الذى يملك سلطة إقالة رئيس تحرير ناجح ومؤسس، لا يدرك أبداً انه أدخل نفسه زنزانة النقد طوال حياته، وما بعدها كذلك، ولنا فى تجربة الرئيس السادات، الذى أقال هيكل من الأهرام عام 1974 أسوة حسنة، إذ أن صاحب القلم الرشيق والجرىء الذى يؤسس مطبوعة مختلفة ومغايرة، لن يسكت أبداً عن فضح مثالب الذين أقالوه، وسيظل دوماً يترصد عيوبهم وأخطاءهم لينشرها على الناس فى جرائد ومطبوعات أخرى.

تبقى كلمة أخيرة: إن إعجابى الشديد بتجربة الإصدار الأول للدستور لم يمنعنى من أن أكتب فى المقال السابق ذكره هذا الانتقاد: (يؤخذ على الدستور أن اهتمامها بالثقافة كان شاحباً إلى حد ما، علاوة على الإفراط فى استخدام العامية المصرية).

لقد دخل إبراهيم عيسى التاريخ الصحفى من أوسع أبوابه وأكثرها موهبة وفرادة، ويكفيه فخراً أن يقال أن الصحافة المصرية قبل الدستور غيرها بعد الدستور.

يا عزيزى إبراهيم أنت كاتب جرىء وصحفى موهوب بحق، قلبى معك فى هذه المحنة.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة