من المؤكد أن صناعة المستقبل باتت أحد العلوم الأساسية وأحد الملفات التى توليها حكومات وإدارات غربية وعالمية اهتماما حقيقيا، باعتبار أن ضمان هذا المستقبل هو إحدى المهام الأساسية لأى حكومة أو إدارة حالية.. ولا أقصد أى إساءة لأى أحد.. ولكننا كلنا فى مصر لا نلتفت أبدا لذلك.. لا يشغلنا التفكير فى أى مستقبل ينتظرنا سواء كوطن أو حكومة أو شركات أو مؤسسات أو حتى كأفراد.
ومع استثناءات قليلة جدا هنا وهناك يمكن التأكيد على أننا فى مصر.. سواء نتيجة جهل وعدم وعى وعجز فاضح عن حساب وتفكير وتخطيط أو نتيجة إيمان صادق وحقيقى وخاطئ أيضا بالقضاء والقدر.. لا نفكر أبدا فى مستقبلنا.. وقد قضيت الأيام القليلة الماضية أتابع معظم دراساتهم فى الغرب عن المستقبل والعالم فى مائة سنة مقبلة.. وتوقفت أمام كثير جدا يخصنا ويعنينا.. أهمها رؤية جورج فريدمان أحد أهم خبراء العالم فى الإعلام والعلاقات الدولية السرية وصفقات وخطط المستقبل، والذى أكد أن مصر فى المائة سنة المقبلة لن تكون أبدا قوة إقليمية وإنما ستبقى تابعة للأمريكان أو تابعة للسادة الجدد سواء فى روسيا أو تركيا..أما سمير فريد خبير الإحصاء الدولى والمصرى الأصل، فقد أشار فى دراسته وأرقامه الكثيرة لمستقبل العالم، إلى أن مصر فى هذه المائة سنة لن تبقى هى الدولة الأكبر فى حوض وادى النيل، ستسبقها إثيوبيا والكونجو، وستنافسها أوغندا والسودان، وهو ما يعنى أن إعادة توزيع حصص المياه ستصبح أمرا حتميا بضعفها وانكسارها الحالى. وهناك دراسات أخرى لابد من الانزعاج بسببها، لنجلس كلنا ولو مرة واحدة لنفكر فى مستقبلنا خلال مائة سنة، لن نكون موجودين قطعا، لكنهم أولادنا ولكنها بلادنا التى نتغنى بحبها وعشقها ليلا ونهارا.. ولهذا لابد أن نتغير..
فالمستقبل موحش ومخيف، ونحن حتى الآن لا نزال نتجادل حول الناصرية أو سياسات السادات، وحجم دراساتنا وانشغالنا بتاريخ الإخوان المسلمين وماضيهم فى بلادنا يفوق أضعاف أى دراسة لنا عن مستقبل صغارنا وسنواتهم المقبلة، حجم اهتمامنا بتطوير طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوى، أو تداعيات مباراتنا الكروية الشهيرة مع الجزائر يفوق كثيرا جدا حجم اهتمامنا بمستقبل النيل والمياه فى بلادنا.
وليس هذا هو كل المشكلة.. إنما المشكلة الأكبر تبقى هى أنه حين نفكر فى المستقبل.. نفكر فيه بمصالح شخصية أو برؤى ضيقة وعاجزة لمن هم فى السلطة الحالية.. وبنفس الطريقة التى فاجأنا بها أنفسنا بمحافظات وهمية جديدة سواء فى 6 أكتوبر أو حلوان أو الأقصر.. دون أى تخطيط حقيقى أو رؤية واضحة للمستقبل.. بدأت وزارة الإسكان تضع خريطة رقمية لمصر بقصد ضم مساحات جديدة للمحافظات المغلقة.. وبدأ بعض خبراء وأساتذة للتخطيط العمرانى يطالبون بخريطة جديدة للمحافظات.. مثل تقسيم قنا إلى ثلاث محافظات، ومثلها سيناء، أو تقسيم الإسكندرية إلى محافظتين مثل الشرقية وإلغاء محافظة البحر الأحمر بأكملها وتوزيع أراضيها على محافظات الصعيد.
وأنت لا تملك أمام كل ذلك إلا الدهشة والاستغراب والانزعاج أيضا.. لا تملك إلا أن تتساءل: هل أصبحت مصر فى رأى هؤلاء مجرد أراض يجرى تقسيمها.. مرة تدويرها ومرة تربيعها.. من أجل بيعها بأقل سعر تتقاضاه الدولة وأعلى سعر لمن سيبيع بعد ذلك للناس؟
هل هذا هو تصور هؤلاء لمصر فى المائة سنة المقبلة؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة