حمدى رزق

الفردى .. اختيار المصريين!

الأربعاء، 23 سبتمبر 2009 09:28 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نقلاً عن المصور

يحفظ المصريون أسماء نواب دوائرهم أبا عن جد، كابرا عن كابر، (حضرة النائب) جزء أساسى من التركيبة الاجتماعية للمصرى، بينه وبين نائبه علاقة يفضل دائما أن تكون مباشرة، حتى إذا لم يكن هذا النائب من النوع المعطاء الخدوم، حتى لو كان من الفصيلة التى تعد وتخلف، هو فى النهاية هذا الرجل الذى ينتظره أهل الدائرة ليبثوه شكاواهم وقلوبهم تدعو الله أن تسفر الشكوى عن شىء ذى بال، أما لو كان نائبا من هؤلاء المعتبرين الذين يخدمون وبوعودهم يوفون وبناخبيهم يبرون، فإنه "بلا مبالغة" يمكن أن يظل على كرسيه مدى الحياة، يكافئه ناخبوه بإجلاسه على هذا الكرسى جولة بعد جولة، وربما ينتخبون أهله وذويه من بعده وفاء له.

صحيح أن الحياة النيابية المصرية تاريخها طويل، غير أن المصريين لا يزالون يأتون بهذا النائب أو يطيحون بهذا عن طريق صناديق الانتخاب، عبر ثقة شخصية به وتجربة للتعامل معه، لا عن طريق تيار سياسى، حتى (الوفد) الحزب الأكبر شعبية فى مصر قبل ثورة 23 يوليو 1952، كان يراعى هذه المسألة، وكان يثبت النائب المحبوب على قوائمه الانتخابية، ويستبعد من لا يحبه الناخبون، برغم أن الوفد كان يملك أن يغامر وينزل بنظام القائمة النسبية اعتمادا على شعبيته، لكنه لم يفعلها بصورة مطلقة.

من هنا، فإن الرئيس مبارك حين عبر عن رأيه فى النظام الانتخابى الأمثل بقوله إن المصريين يفضلونها بالنظام الفردى، فإنما كان ينظر إلى تاريخ هذه الجماهير التى تعطى أصواتها أو تمنعها، كان يتكلم بلسانها، ويعبر عن مزاجها السياسى، ذلك المزاج الذى تحكمه إلى حد بعيد التركيبة النفسية للمصريين، وهو موقف ليس بجديد ولا مستغرب على الرئيس مبارك، الذى يفاجئ الكثيرين من المسئولين دوما، بأنه أقرب إلى الناس منهم، وأقدر على التعبير عنهم من الآخرين.

فالنظام الفردى، ليس فقط مكونا تاريخيا عتيقا للناخب المصرى، ولا هو مجرد تركيبة نفسية، بل إن الحياة السياسية بمقتضياتها الراهنة تكاد تفرضه فرضا.

الأحزاب المصرية على اتساع نطاق أفكارها وتنوع برامجها، لايزال معظمها يغرد خارج السرب الشعبى، ينفصل عن احتياجات الناس ولا يتمكن من أن يخاطبهم سياسيا على النحو الذى من شأنه أن يمثل للناخبين برنامجا طموحا وعمليا فى الوقت ذاته، ولا يمكن أن ننكر أن الأحزاب التى لها أرضية فى الشارع، أو يمكن وصفها بأنها ذات تجربة ميدانية مع الناخبين "كالحزب الوطنى مثلا" تعتمد إلى حد كبير على شعبية نواب لهم تاريخهم على مقاعدهم دورة واثنتين وثلاثة، والأمثلة كثيرة، د.أحمد فتحى سرور ود. زكريا عزمى وكمال الشاذلى والكثيرون من الأسماء التى لمعت فى دوائرها، عبر احتكاك مباشر بالجماهير، وهذه هى الترجمة السياسية "على الطريقة المصرية" للبرامج الحزبية.

نعم.. تبدو برامج الأحزاب غير قادرة على الطيران إلا بأجنحة الأشخاص والكاريزمات المجربة، التى أعطت الجماهير والتى "فى الوقت ذاته" تملك القدرة على طرح برامج عملية فى دوائرها، مبنية على معرفة دقيقة وواقعية بمشاكل أهل الدائرة وأحلامهم واحتياجاتهم الصغيرة والكبيرة.

غير أن الاعتراف القاطع بأن نظام الانتخاب بالمرشحين الفرديين هو النظام الأمثل للمصريين، يقتضى النظر فى مسائل شتى، قد تمثل عيوبا فى هذا النظام متى بقيت بلا علاج حقيقى لها.

أولى هذه المسائل، إن بعض الأحزاب البعيدة عن القدرة على التعبير عن الجماهير، تفتقر إلى صناعة (الكادر السياسى)، بعض هذه الأحزاب لا يعرف الناس حتى أسماء رؤسائها، فما بالنا بأسماء مرشحى الدوائر عن مثل هذه الأحزاب؟
لابد للأحزاب فى هذه الحالة "كبيرها وصغيرها" أن تستعد بوجوه واعدة، كوادر سياسية مدربة تستطيع أن تخوض غمار الانتخاب بالنظام الفردى وأن تنجح، ليستقر هذا النظام معبرا عن المزاج السياسى للمصريين.

الأمر الثانى، إن ثمة دوائر "بل محافظات" فى صعيد مصر من أسيوط إلى سوهاج وقنا لاتزال أسيرة لفكرة العصبية القبلية والولاء العائلى والدم الذى يربط الناس ببعضها البعض هناك، من هنا فإن القبلية سوف يكون لها أسوأ الأثر على النظام الفردى، وسيكون هذا النظام عونا لها على التكريس والبقاء، وهى الظاهرة التى نحاول جاهدين محوها من سجلنا النيابى.
على السياسيين المحترفين أن يستكملوا هذه الجوانب وغيرها، لتخليص النظام الفردى منها، ليصبح بالفعل النظام الأمثل للمصريين فى الانتخاب، وسيظل كذلك.. أما القائمة النسبية فإنها لا تعبر إلا عن مزاج ساسة منفصلين عن الناس، يعتقدون أن أفكارهم راسخة محفورة فى عقول الناخبين، بينما الناخبـــون لا يزالون يتعــرفون إلى أسمائهم ويدققون فى ملامح وجوههم.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة