البناء الداخلى للإنسان إما أن يكون قويا أو يكون هشا.. فالتصرفات الإنسانية سواء كانت شرا أو خيرا، تتوقف على هذا البناء الداخلى أو على هذا العالم الباطنى.. قد يسمى البعض هذا العالم الخفى بالضمير الذى يكمن فيه ذلك الصوت الذى يلوم أو يرضى عن أفعال الإنسان.
إنه هذا القلب اليقظ، أو هذه العين التى لا تغفل عن أفعال الإنسان أيا كانت هى.. كما أشار رسول الله (صلى الله صلى الله عليه وسلم) «بأن هناك مضغة فى الجسد، إن صلحت صلح الجسد كله، وإن فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب». وبناء على ذلك قال سيدى أبوحامد الغزالى رضى الله عنه إن القلب هو سلطان الجسد، أو هو حاكمه، فإن اختار القلب شيئا أو قرر شيئا، فإن الجسد يسير طبقا لاختيارات القلب. إنه بيت المشاعر الإنسانية من حب وكراهية وطموح ورضى ورفض وقبول. فقد أوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الإيمان يستقر فى القلب، وإذا استقر الإيمان فى القلب، فالدليل على ذلك يظهر فى الأعمال، أى فى السلوك. إن الإيمان «ما وقر فى القلب وصدقه العمل».
والله سبحانه وتعالى قال إنه لا ينظر إلى المظاهر البشرية، ولكنه ينظر إلى القلوب، حيث الصدق والإخلاص الحقيقى، وحيث لا يوجد مكان للرياء. وقال العلى القدير سبحانه وتعالى «لا تسعنى أرضى ولا سمائى، ولكن يسعنى قلب عبدى المؤمن» ولقد قال رب العزة سبحانه وتعالى إن الذى يسعه هو قلب مؤمن، وهذا يعنى أن الإيمان يطهر القلب من الشوائب المادية والحجب الأرضية.. الإيمان نزه فكرة الألوهية ونفى عن الله الشركاء، وسجد القلب واسلم واستسلم لله رب العالمين فاستحق تجلى الأنوار العلوية فيه وعليه.
يقول الله سبحانه وتعالى فى سوره التوبة «الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون» إن الترتيب الإلهى للباطن الإيمانى يؤكد أن البداية لابد وأن تكون إيمانية قلبية، ومع استقرار الإيمان تحدث الهجرة إلى الله وترك كل المعاصى والذنوب والآثام فى كل صورها، والانطلاق إلى العالم العلوى وإلى ما بعد ذلك.. ثم يبدأ الجهاد بالماديات وتحويلها لخدمة النور والحق والعدل والحب الربانى، والحب لعالم الإيمان والمؤمنين والحب للفقراء والمساكين والسعى لبعث حياة جديدة فى القلوب والصدور وفى الأبدان ونشر الخير والسلام. فلقد قال الرسول الخاتم عليه الصلاة والسلام «أفشوا السلام بينكم» والسلام يعنى انتفاء الصراع والحقد والغل والغضب والقلق والخوف «والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزِّل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم» ونصح رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمنين أن يدعوا قائلين «اللهم إنى أسألك نفسا بك مطمئنة تؤمن بلقائك وترضى بقضائك وتقنع بعطائك». المؤمن قوى بالإيمان وبالحب لله ولرسوله وبإدراكه للكمال والجمال و النور و العدل هو ضرورة للحياة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة