◄لابد أن نضحك كلنا مع الدكتور سرور حين قال: «هذه الأيام كل واحد قاعد على قهوة عامل نفسه بيفهم فى القانون وعاوز يعمل حركة سياسية وبيتكلم عن حل المجلس وهو بيلعب طاولة أو بيحشش»
هناك أوقات لا تصلح للكتابة أو القراءة.. لا يبقى فيها قادرا على الكتابة إلا المرضى الذين يتخيلون أن الحياة قد تتوقف لو توقفوا هم عن الكتابة.. ولا يبقى فيها قادرا على القراءة إلا الذين ليس لديهم ما يقومون به أو يفكرون فيه، إلا ما قد يكتبه الآخرون.. ولأننى أظن أننا.. فى مصر الآن.. نعيش أحد تلك الأوقات.. فى جو حار وخانق، مسكون بالغضب والقلق، ويفيض بالخوف والإحباط.. فقد قررت ألا أكتب.. وألا يقرأ لى أصدقائى أو أعدائى المقتنعون بى أو الرافضون لى.. وإنما فكرت فى أنه قد يكون هذا الوقت مناسبا وصالحا لأن نجلس كلنا معا.. وتتحول الكتابة والقراءة بأشكالها التقليدية إلى مجرد ثرثرة مشتركة بيننا كلنا.. ليس فيها صراخ أو غضب زاعق، وليس فيها مكان أو مجال لمن يدعى أنه يعرف ما لا يعرفه الآخرون.. أو من يتخيل نفسه الأهم أو الأفضل أو الأعمق.. مجرد ثرثرة وحواديت وأسئلة.. وقد يكون وراءها بعض الضحكات.. وبعض الدموع.
(1) كل الناس تتحدث الآن عن حل مجلس الشعب.. تمسك بالصحف اليومية والأسبوعية.. الرسمية والمستقلة والحزبية.. فتقرأ لكثيرين جدا ينفون ويكذبون شائعات حل مجلس الشعب.. وتقرأ فى نفس الوقت لكثيرين جدا يؤكدون حل مجلس الشعب، ولأسباب خاصة وخافية وليست معلنة.. والكل يكتب بمنتهى الثقة.. ويورد أسماء ويسرد حكايات وتفاصيل دون ترك أى باب مفتوح، أو مساحة كافية لأى احتمالات أخرى.. وينتقل الكلام من الصحف إلى شاشات التليفزيون.. الفضائيات طبعا وليس التليفزيون الرسمى.. ومن التليفزيون ينتقل الكلام للمكاتب والنوادى والمقاهى ووسائل المواصلات والبيوت.. وفجأة ينتابك إحساس حاد بالسخف والرغبة فى السخرية من ذلك كله.. وتجتهد لتمنع نفسك من أن تمشى فى الشارع، أو تجلس على مقعدك وحيدا وأنت غارق فى الضحك.. وبعد الضحك لابد أن تسأل.. لماذا كل هذا التناقض؟.. فنحن أمة تشكو نساؤها ليل نهار من هشاشة العظام، بينما يشكو إعلامها من هشاشة مجلس الشعب.. وأنه مجلس الموافقين دوما.. وأنه البرلمان الذى يقوده النائب أحمد عز بسيف السطان وذهبه.. ونشاطات هذا المجلس غالبا لا تجد أى اهتمام حقيقى أو مؤثر فى مختلف الصحف المصرية، باستثناء خمسة أو عشرة استجوابات كل عام مع قضيتين وفضيحة واحدة على الأكثر.. فلماذا إذن هذا الاهتمام المفاجئ بمجلس الشعب.. وما الذى سيتغير إن بقى مجلس الشعب على حاله، أو تم حل هذا المجلس.. ما الذى سيجرى فى مصر إن أجريت الانتخابات البرلمانية غدا أو بعد عشر سنوات.. طبعا لن يتغير شىء.. وستبقى كل الأمور على حالها.. ولهذا، وأفضل من الانشغال بكل هذا العبث، أن نضحك كلنا مع الدكتور أحمد فتحى سرور، رئيس مجلس الشعب، حين كان فى مؤتمر لخبراء الجريمة، استضافه المركز القومى للبحوث وقال: هذه الأيام كل واحد قاعد على قهوة عامل نفسه بيفهم فى القانون، وعاوز يعمل حركة سياسية، وبيتكلم عن حل المجلس، وهو بيلعب طاولة أو بيحشش.
(2) الدكتورة أميمة صلاح الدين.. امرأة أنيقة جدا، وجميلة جدا، وذكية جدا.. وليس بسبب ذلك وإنما لخبراتها وتحدياتها وقوتها وصبرها.. باتت رئيسة مجلس إدارة جهاز التفتيش على المبانى بوزارة الإسكان.. أى أن الدكتورة أميمة هى المسئولة التى أوكل لها المصريون مهمة حماية مبانى بلدهم وحياتهم من التداعى والانهيار، وأسندوا لها أمانة التفتيش فى ضمائر وحسابات وقياسات من يبنى أو من يتظاهر بأنه يبنى.. وهذا الأسبوع كانت الدكتورة أميمة فى الإسكندرية، لتشارك فى مؤتمر ختامى لمشروع الدعوة للحد من الفساد فى مجال الإسكان.. وهناك فجرت الدكتورة أميمة القنبلة التى كنا جميعا فى انتظارها.. فقد قالت الدكتورة أميمة.. بمنتهى الثقة والكبرياء والوضوح والتفاؤل والإصرار والحسم.. أن كل مشكلاتنا مع البناء والمبانى قد انتهت.. لن تعود هناك عقارات آيلة للسقوط.. لن تكون هناك عمارات جديدة مخالفة.. لن تكون هناك مبان دون ترخيص.. والتفسير الذى قدمته الدكتورة أميمة هو 119 لسنة 2008.. أى قانون البناء الجديد.. وهو القانون الذى أكدت الدكتورة أميمة أن مصر كانت تحتاج إليه، وتفتش عنه لتتخلص من كل همومها وخطاياها الخاصة بالإسكان والبناء والمبانى والبيوت.. ولا أعرف من الذى أقنع الدكتورة أميمة بذلك.. ومنذ متى كان صدور قانون جديد، هو الحل لأى مشكلة أو أزمة.. من الذى قال للدكتورة أميمة أن القانون الجديد لن يصبح مثل كل سوابقه.. له استثناءات وله عيون سيغمضها حين يريد ويفتحها عن آخرها حين أيضا يريد.. وهل تقصد الدكتورة أميمة أننا بهذا القانون لن نجد مبانى مخالفة.. ولن نجد عمارات جديدة عالية فى مدينة على سبيل المثال، باعتبارها عاصمة المخالفات فى القاهرة وطن العشوائيات.. لا أظن ذلك.. ولا أظن أننا سنتعامل بتقدير حقيقى، أو احترام كامل لكل السادة الذين أفتونا بأن مشكلة مصر الحالية هى قوانينها التى لا تتواكب مع العصر، وغير قادرة على مجابهة جرائم التزييف والدعارة والمخدرات وتجارة الأسلحة والإرهاب وألف جريمة أخرى.
(3) غادر مرسى عطا الله مؤسسة الأهرام، وجاء الدكتور عبدالمنعم سعيد رئيسا جديدا لمجلس إدارة هذه المؤسسة الكبيرة العريقة.. وكان من الطبيعى أن يتبادل الجميع رسائل وكلمات الوداع والاستقبال والتهنئة والحفاوة والحزن والفرحة بكل ما هو ممكن ومتاح من حقائق وأكاذيب.. ووسط هذه الفوضى والتعابير الكبيرة البراقة.. لم يلتفت كثيرون، وبالقدر الكافى، لما كتبه أسامة سرايا رئيس تحرير الأهرام يوم الجمعة الماضى وفى عمود حمل عنوان.. مرحبا بالدكتور عبدالمنعم سعيد.. وبالتأكيد لن أتوقف عند حديث أسامة سرايا عن الدكتور عبدالمنعم.. ولكننى سأتوقف عند غضب أسامة سرايا.. فالرجل من الواضح أنه كان مكتوم الغضب لأوقات طويلة.. وكان شاهد عيان على محاولات عديدة جرت مؤخرا سواء بالعمد أو الغفلة لتحويل الأهرام من مؤسسة صحفية عريقة إلى مجرد مؤسسة اقتصادية ومالية وإدارية وإعلانية.. ومن المؤكد أن أسامة سرايا انزعج كثيرا وجدا من كلام كثير، قيل فى الأيام القليلة الماضية عن إنجازات تحققت فى مؤسسة الأهرام.. فاضطر سرايا لأن يكتب يوم الجمعة صارخا وغاضبا ومنفعلا، يؤكد أن ثروة الأهرام الكبرى ليست هى الأرقام وتسديد الديون.. وأكد أسامة سرايا أنه يقول هذا الكلام ردا على ما أثير من أرقام كثيرة لم تعط لتحرير الأهرام حقه فى عملية صحفية صعبة فى سوق متنافسة وحادة، ولكن الأهرام الصحيفة حافظت على مكانتها.
وأنا باعتبارى أحد أبناء الأهرام الذين يدينون لهذه المؤسسة بأحلامهم ومكانتهم وكتاباتهم وكبريائهم وشرفهم المهنى.. أضم صوتى لأسامة سرايا.. ومثله أتمنى أن يدرك الجميع وأن يتأكدوا أن الأهرام كانت وستبقى صحيفة ومؤسسة صحفية.. أبدا لن تكون مجرد مطبعة للآخرين ولن تكون وكالة للإعلانات، أو بائعا للصحف، ولا أى شىء آخر يأتى فى القيمة والمكانة قبل الكلمة والكتابة والرأى والصحافة.. وأنا مثل أسامة سرايا أودع بفرحة زمنا شهد الصحفيين فى الأهرام يتلقون المهانة، ويتم الاعتداء عليهم داخل بهو الأهرام.. ومثل أسامة سرايا، أتمنى أن تعترف مصر كلها بالأهرام كصحيفة.. وأن تحافظ عليها وعلى مكانتها وقيمتها وضرورتها أيضا.
(4) منذ ثلاثين عاما أو أكثر.. لم يتعب أحد فى مصر قدر الطالب المتوسط.. إذ أننا كل سنة ومع كل امتحانات تخص أى شهادة عامة.. ابتدائية وإعدادية وثانوية.. تفاجئنا الصحف كلها بأن الامتحانات فوق أو أقل أو على قدر الطالب المتوسط.. عبارة لا تتغير أبدا.. صحف قديمة وجديدة ومسئولون كبار وصغار وامتحانات صعبة وسهلة.. والحديث كله عن هذا الطالب المتوسط الذى لا يعرفه أحد حتى الآن.. ولكنه مضطر لأن يبقى معنا طول الوقت لنقيس عليه صعوبة أو سهولة الامتحانات.. وكثيرا ما توقفت أمام تأكيدات الصحف فى اليوم التالى لأى امتحان، بأن الامتحان كان أكبر أو أقل من مستوى الطالب المتوسط.. فلا أحد فى الأصل شرح لى ما هو الطالب المتوسط، وما هى صفاته أو ملامحه أو إمكاناته.. ثم كيف يمكن للصحف.. بمثل هذه القدرة والجرأة.. أن تقرر خلال ساعات قليلة جدا بأن الامتحان صعب أو سهل.. وهل يمكن أن يكون هناك صحفيون بمثل هذه القدرات الخارقة والخيالية ليعرفوا ردود فعل عموم طلاب مصر وطالباتها فى أى سنة وفى أى امتحان.. إننى أفهم أن تتابع الصحافة.. قدر إمكاناتها واستطاعتها.. ردود فعل الامتحانات أمام أكثر من مدرسة، وفى أكثر من مدينة.. ولكن دون إصدار أحكام عامة.. ودون عناوين أو تقارير أصبحت مفروضة علينا كل سنة حتى إنه بات من الممكن أن نطلق عليها صحافة الامتحانات.. تماما مثل صحافة رمضان، وصحافة الصيف والساحل الشمالى.
وبهذه المناسبة.. لماذا لم تنشط صحافة التعليم لتحاول الإجابة عن سؤال لم يطرحه أحد، ولكن تفرضه علينا نتيجة امتحانات شهادة الدبلومات الفنية.. حيث لم ينجح أكثر من نصف الطلاب على مستوى الجمهورية فى أسوأ نتيجة للدبلومات الفنية منذ أكثر من عشرين سنة.. فهناك أكثر من معنى، وأكثر من دلالة بالتأكيد لهذه النتيجة.. فهل تراجع مستوى التعليم الفنى.. أم أن وزارة التعليم قررت فجأة أن تضع امتحانات حقيقية فى لجان حقيقية مع تصحيح حقيقى، فبدا أخيرا المستوى الحقيقى لهذا النوع من التعليم.. وهل لهذا علاقة بالكادر التعليمى أم رؤية جديدة لوزير التعليم.. أفيدونا أيها السادة فى وزارة التعليم وفى صحافة التعليم.. فهى المرة الأولى فى حياتنا التى يسقط فيها الطالب المتوسط.
(5) أرجوكم.. اقرأوا ولو العناوين فقط فى الصحافة القومية والرسمية.. واجمعوا واطرحوا واحسبوا نسبة الحديث عن الانتخابات الإيرانية، والأحكام التى أصدرتها الصحافة الرسمية فى مصر بشأن إيران، وانتخابات إيران، وديمقراطية الحكم والحياة فى إيران.. ومن فضلكم لاحظوا العناوين والأسماء ولون الحبر وشكل الكلام.. والرجاء من كل من يقوم بذلك أن يتصل بى فورا لأرسل له ملفا.. يضم كتابات أخرى سابقة لنفس الأسماء والوجوه.. ولكنها فى الماضى كانت مجرد ردود وفرش للملاءات، وسخرية وشتائم موجهة لصحفيين وكتاب أجانب، تجرأوا وانتقدوا بعض أو كل مظاهر الحكم والإدارة والسياسة فى مصر.. وقتها كان هؤلاء.. الناشطون الآن فى مهاجمة إيران والسخرية منها.. يحاولون إعطاء العالم كله دروسا فى ضرورة احترام سيادات الدول وخصوصياتها مع حديث كثير وممل عن التدخل فى شئون الآخرين وعدم احترام السيادة، وانتهاك الحقوق المصانة والخاصة بكل دولة.. وبالتالى أصبحت لا أعرف ما هى الحقيقة وما هو المفروض.. وهل من حق الصحافة المصرية أن تسخر وتنتقد، وأحيانا تشتم وتلعن قادة ونظم العالم تحت لافتة الحق والواجب فى عالم حر وديمقراطى.. بينما ليس من حق أى صحفى أمريكى أو أوروبى أو يابانى أو حتى عربى أن ينتقد الحياة السياسية فى مصر.. يا أمة ضحكت من صحافتها الرسمية الأمم.
(6) أفهم تماما أن يؤكد الدكتور أحمد ضياء الدين، محافظ المنيا، الالتزام بالبرنامج الانتخابى للرئيس مبارك.. وأقدر مشاعر الدكتور المحافظ ومجاملته الرقيقة، وهو يؤكد منذ ثلاثة أيام أن الزيارة التى قام بها جمال مبارك للمنيا، غيرت شكل الحياة وحجم الأحلام فى المنيا.. ولكن الذى لا أفهمه ولا أقبله أيضا هو تلك الكلمات التى قيلت على لسان الدكتور المحافظ وعلى صفحات التحقيقات فى جريدة الأخبار العريقة هذا الأسبوع بشأن المنيا.. وجاءت كلها تحت مانشيت يؤكد تحول المنيا من المحلية إلى العالمية.. وذلك لأننى لا أملك القدر الكافى من الثقافة والتعليم والخبرة والقدرة والتجربة والحضارة والوعى، لأعرف معنى أن تكون هناك محافظة فى مصر محلية.. وأن تكون هناك محافظة أخرى عالمية.. وما هى المحافظة العالمية، وما هو شكل الحياة فيها.. وهل هم يقصدون بالمنيا العالمية حجم الاستثمارات الأجنبية فى مدن المحافظة وقراها، أم يشيرون إلى العلاقات التجارية التى تربط بين المنيا والعالم.. وما كل هذا اللغو والولع المصرى بالعالمية شكلا وكلاما وشعارات ولافتات.. على أى حال.. أود أن أؤكد للسيد الدكتور المحافظ ولكل السادة المسئولين فى محافظة المنيا.. أنه ليس مطلوبا منهم تحويل المنيا إلى محافظة عالمية. ولكن كل المطلوب منهم هو أن تبقى الحياة فى المنيا ممكنة وعادلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة