لماذا عندما ينتفض بعض النوبيين احتجاجا على أى شىء، نتحسس "المسدس" على الفور؟
فمن حق أى فئة طبقا للدستور والمواثيق الدولية، أن تحتج سلميا على ما تتصور أنه انتهاك لحقوقها، ومع ذلك فهناك شكوك واتهامات جاهزة، من نوع إنهم يريدون دولة مستقلة، أو أنهم ينفذون أجندة غربية صهيونية إسرائيلية أمريكية.. وغيرها، والدافع وراء كل ذلك تجاهل القضية الأصلية، وهى أن سواسية أمام القانون، لهم نفس الحقوق والواجبات، أيا كان لونهم أو عرقهم أو دينهم أو معتقداتهم بشكل عام.
أظن أنها العقلية المستبدة النابعة من دولة مركزية عمرها آلاف السنين، دولة يحكمها المركز، الذى لا يتصور القائمون عليه أن هناك أطرافا لها ذات الحقوق، سواء أكانت أقليات دينية أم عرقية، ولكن هذا المركز يعتبر أنه الفاعل الأوحد، والآخرين، شركائه فى الوطن، مفعول به. ولذلك فاللغة هى لغته والدين هو ما يعتنقه، والأفكار الصحيحة هى ما يروجه.
هنا لا أقصد فقط السلطة الحاكمة على مر العصور، ولكنى أقصد معها الثقافة السائدة، والتى تكره الاعتراف أصلا بوجود أقليات، وتعتبره مؤامرة، ولا تريد الإقرار بأن بلدنا، مثل كل بلاد الدنيا، قائمة على التنوع الدينى والعرقى والثقافى، ولذلك ستجد المعركة الكبرى التى نهدر فيها طاقتنا بكفاءة، ليس بناء التقدم ولكن نزع حقوق بديهية لمواطنين مصريين.
قضية النوبيين، ليست فقط فى حصولهم على أراض قريبة من موطنهم الأصلى، وليست فقط فى حصولهم على "شوية خدمات"، فالأمر أعمق من ذلك.. فوكيل وزارة الشباب الذى وصفهم بـ"البرابرة"، يعبر عن ثقافة جاهلة، لا تعرف ولا تريد أن تعترف بأن النوبيين لهم لغة وثقافة وتاريخ، فهو ابن الدولة المركزية المستبدة التى لا تريد الاعتراف بالتنوع وتعتبره معاديا لها. ولذلك لا يتم تدريس التاريخ النوبى أو القبطى، ولا يتاح تدريس اللغة النوبية والقبطية لمن يريد.
إنه المفهوم الغبى للوحدة، المفهوم الذى يعتبر أن الوحدة هى أن نكون كلنا "نسخة مكررة من بعض"، رغم أن الله جل علاه أراد البشر مختلفين، ولذلك فالاعتراف بالتنوع والاختلاف هو الطريق الوحيد، فى تقديرى، لبناء وطن قوى قادر على الحياة والتقدم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة