حرب أهلية خبيثة تهدد المجتمع الصحفى الذى يشهد لأول مرة فى تاريخة اشتباكات بين أبناء المهنة الواحدة، لا ترجع أسبابها إلى اختلافات فكرية أو معتقدية.
حركة احتجاج متوترة نظمها الصحفيون فى مؤسستى الأهرام والأخبار احتجاجا على قرار غير برىء تماما من المجلس الأعلى للصحافة بضم صحفيى بعض المؤسسات المتعثرة للمؤسستين.
ربما أتفهم حق أبناء المؤسستين فى الاحتجاج على إصدار هذا القرار والخاص بمصير زملاء صحفيين لهم، والعلاقات داخل المؤسسات بشكل فوقى من المجلس الأعلى للصحافة دون مناقشة أصحاب المصلحة ودون مراجعة نقابة الصحفيين المعنى الأول بالأمر، وبدا القرار وكأنه حركة تنقلات عسكرية تغلب عليه منطق الوصاية وهو ما لا يتناسب مع طبيعة المهنة التى تستند فى المقام الأول على الاستقلالية عن أى مؤسسات رسمية أو جماعات ضغط، وهذا يستلزم مناقشة مستفيضة وفتح باب الحوار حول تبعية المؤسسات الصحفية للمجلس الأعلى للصحافة، وإعادة النظر فى دور هذا المجلس وعلاقته بالمؤسسات الصحفية.
ولكن الذى يصعب على تفهمه وهو النبرة العرقية العنصرية التى سادت بين بعض الزملاء فى مؤسستى الأهرام والأخبار ومنهم زملاء نقابيون عندما فسروا رفضهم لقرار المجلس الأعلى، بأنه حماية لهم من غزو مهنيين أقل منهم مرتبة وكفاءة !! باعتبار أنهم ينتمون إلى مؤسسات أكثر عراقة، كما وصفها الكاتب فاروق جويدة فى مقاله بجريدة الأهرام والذى كشف ما بين سطوره تقسيما للمؤسسات الصحفية إلى مؤسسات شمال ومؤسسات جنوب.
كاتبنا فاروق جويدة والذى كان يرغب الكثير من الصحفيين ترشيحه كنقيب لكل الصحفيين المصريين تحدث فى مقاله عن العراقة التاريخية الزمنية للأهرام.. وأتفق معه وإن كانت هناك مؤسسات شاركت الأهرام فى تخطى المئوية مثل الاجيبتجان جازيت .. ولكن هذا ليس له علاقة بالأمر، فالمنطق يقول إنه من الطبيعى أن تكون هناك مؤسسات أقدم من الأخرى, أما عن أن مؤسسة الأهرام قد احتضنت تاريخيا خيرة المفكرين والأدباء، فمرجع وجود هؤلاء المفكرين هو حالة النهوض الفكرى والسياسى والأدبى التى كانت سائدة فى مصر فى ذلك الوقت، وكان من الطبيعى أن تحتويهم المؤسسات الصحفية الموجودة فى ذلك الوقت ومن بينها الأهرام .. لو كان الأهرام أو أى مؤسسة صحفية قادرة على إفراز كفاءات مهنية وفكرية من داخلها بمعزل عن الحالة المجتمعية السائدة فلتضرب لنا أمثلة الآن .. مقارنة بما أفرزته المؤسسات التى يرونها جنوبية.
لا أنكر قيمة الأهرام وإنما أذكر والذكرى تنفع أى "حد"... أذكر بأن أساتذة لنا فى المهنة آثروا الأهرام وكانت نشأتهم فى مؤسسات يراها العنصريون جنوبا، ومنهم أستاذنا صلاح الدين حافظ الذى كانت نشأته فى جريدة التعاون والفنان الصحفى صلاح جاهين الذى كانت نشأته فى مجلة صباح الخير، وكثير من عمالقة المهنة من مؤسسات بدأت زمنياً بعد الأهرام بمراحل مثل محمود المراغى وصلاح حافظ ومصطفى نبيل وغيرهم.
لا أفهم كيف أرجع كاتبا محترما مثل أستاذنا فاروق جويدة مصدر المهنة لمدرسة الأهرام وهو والله ما كتبه فى مقالة مستندا على حوار بينه وبين بعض الشباب من الصحف أخرى، وانتهى إلى أن جميع الصحفيين مصدر ثقافاتهم المهنية هو الأهرام وأن الصحف جميعا لا تصدر إلا فى معية الأهرام التى تطبع لهم صحفهم !ولم يذكر سبب احتكار المؤسسات الصحفية الرسمية للمطابع ؟!
لا أستوعب كيف يدعون كاتبا كبيرا مثل أستاذنا فاروق جويدة وهو الذى كان مرشحا لإدارة مظلة الحماية النقابية إلى التعامل مع المؤسسات الصحفية بأسلوب البيع والخصخصة، مثلما حدث مع عمر أفندى وهل يرى من وجهة نظره أن ملكية الدولة للأصول تعنى حقها فى البيع .. وما موقفه إذا ما قررت الدولة بيع الأهرام ؟
تذكرت حوارا دار بين زميلين صحفيين من جريدتى الأهرام والأخبار مع مسئول يحتجون فيه على اختيار إحدى المؤسسات الدولية لصحفى من جريدة جنوبية كمدير تحرير لإحدى إصداراتهم وتجاهلهم وهم أبناء المؤسسات الكبرى.. وكانت إجابته "أصل الناس دى غبية بتختار بالكفاءة مش بالمؤسسة" .
الغريب أن مشهد المحتجين ضم فى الصدارة صحفيين بدءوا المهنة فى مؤسسات جنوبية، وانتقلوا إلى هذه المؤسسات الكبرى ليس بفعل كفاءة مهنية وإنما بفعل خدمات انتخابية وغير انتخابية "فى حل من أن أذكر أسماءهم" .
والمتابع للحركة المهنية يلاحظ أن معظم صحف الخليج، بل ومكاتب الصحف الأوربية تستعين بصحفيين من صحف الجنوب لكفاءاتهم، ولم يتدربوا يوما لا فى الأهرام ولا فى الأخبار ... المتابع للحركة المهنية يلاحظ أن معظم المتعاملين مع صحافة المستقبل الإلكترونية ومعظم كتاب المقالات بها من أبناء صحافة الجنوب لم يتدربوا يوما لا فى الأهرام ولا فى الأخبار.
أندهش من انفعال زملائى الصحفيين فى المؤسستين العريقتين واحتجاجهم على انضمام زملاء لهم من مؤسسات أخرى لمؤسساتهم، ولم يتحرك لهم ساكن لغزو الإداريين ورجال الأمن والسكرتيرات من مؤسساتهم لنقابة الصحفيين بفعل فساد !!
أحترم بشدة المؤسستين وخاصة مؤسسة الأخبار التى مازالت صاحبة أفضل مدرسة إخبارية فى مصر .. ولكنى أقول إن العراقة ليست فقط بالتاريخ ولا بالاحتكار الرسمى للأدوات والأموال، وإنما جزء مهم من العراقة يتمثل فى الكفاءة الآنية.
زملائى الأعزاء الشىء الوحيد الذى يُقدر بالأقدمية فقط دون عوامل أخرى هو الجبنة الرومى وليس الصحافة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة