هذا الوصف أطلقته المخرجة الإيطالية كارولينا على مصر، ويبدو أنها محقة إلى حد كبير، فعندما قررت عمل تحقيق تليفزيونى عن الحريات، تأكدت أن سلوك الطريق الرسمى للحصول على التصريحات اللازمة سوف يستغرق شهورا.. وفى الأغلب الأعم سترفض الجهات المختصة، ناهيك عن أن الشركات التى ستؤجر لها الكاميرات والمعدات اشترطت عليها، حتى بعد الحصول على الموافقات، وجود مندوب لها، ليراقبها.
هذا التشدد البيروقراطى تخلصت منه ببساطة عندما قررت التصوير دون الحصول على أى موافقات، والمفاجأة أنه لم يعترضها أحد رغم أنها صورت فى الشوارع وأمام مؤسسات شهيرة مثل مكتبة الإسكندرية.
الموقف الثانى الذى جعل كارولينا تصف بلدنا بأنها بلد المتناقضات، أنها شاهدت أفيش فيلم الديكتاتور فى الشوارع، وهذا الفيلم يتناول قصة ديكتاتور يحاول تدريب ابنه على وراثة الحكم .. فكيف يمكن أن توافق الرقابة والجهات المختصة عليه، فى حين النخبة الحاكمة تستعد لتوريث الحكم لجمال مبارك؟
هذه الشهادة جاءت فى أعقاب عرض تحقيقها التليفزيونى فى المؤتمر الذى عقده مركز "باراليلا" فى تورينو بإيطاليا، تحت عنوان "مستقبل حرية الصحافة فى مصر"، شاركت فيه مع زميلتى الصحفية مروة حسين بالأهرام. ودعك من تحفظى على انحياز الفيلم أو التحقيق التليفزيونى.. لكن شهادة كارولينا لم تكن منحازة، فهى تحب مصر وتتكلم العربية بمستوى معقول، بل وأكدت لى أنها تنوى أن تعلم ابنتها اللغة العربية.
إنها شهادة من موقع المُحبة، وليس الكارهة، وإذا تأملتها قليلا ستجد أنها لم تجانب الصواب.. بل هى أقرب إلى الحقيقة.. فنحن نعيش فى بلد المتناقضات، فالقديم موجود ويجاوره ولم يهزمه الجديد.. ستجد على سبيل المثال أحزابا حان وقت دفنها، بعد أن شبعت موتا، ومع ذلك موجودة بجوار أحزاب موجودة فى الشارع ولم تحصل على شرعية.
لدينا سياسيين ليس لهم أية جماهير، ومع ذلك يتحدثون ليل نهار نيابة عنها، وموجودون فى كل وسائل الميديا .. فى حين أن الجماهير تمارس احتجاجاتها السلمية الديمقراطية يوميا بلا سياسيين.
إنه تجاور ما لا يمكن أن يكون متجاورا فى الأوضاع الطبيعية.. وهذا سبب اندهاش كارولينا، وسبب يدعونا للتفكير، ما الذى علينا مساندته من هذه المتناقضات وما الذى علينا دفنه إلى الأبد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة