ياسر أيوب

قراءة سياسية مصرية لحدث رياضى عالمى

الأربعاء، 07 أكتوبر 2009 07:29 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بعد أيام قليلة من التصويت الدولى لاختيار مدير عام جديد لمنظمة اليونسكو، عاد العالم كله من جديد ليتابع اختيار المدينة التى ستحظى بشرف استضافة الدورة الأوليمبية بعد المقبلة، وقد كانت مصر طرفا فى المعركة الأولى واكتفت بشرف المشاهدة والمتابعة فى المعركة الثانية، ففى الأولى خاض فاروق حسنى انتخابات اليونسكو وخسرها لمصلحة البلغارية إيرينا بوكوفا، وفى الثانية اقتصر الصراع على أربع مدن: شيكاغو ومدريد وطوكيو وريو دى جانيرو، وفازت ريو دى جانيرو فى النهاية بالدورة الأوليمبية.

ومن المؤكد أنه بالرغم من الفوارق الكثيرة بين المعركتين وطبيعتيهما، وبين المجالين وتفاصيلهما، يبقى فى النهاية التشابه فى القيمة والمكانة بين اليونسكو كأهم وأرقى منبر ثقافى عالمى والألعاب الأوليمبية كأهم وأرقى منبر رياضى عالمى، وحاجة أى دولة وكبرياء وصيت ودعاية أن تحظى بشرف إدارة اليونسكو ممثلة فى أحد أبنائها، أو تستضيف دورة أوليمبية بكل حشودها وبريقها ونجومها وإعلامها فى واحدة من مدنها، وهذا التشابه هو ما يجعلنا الآن نملك حق المقارنة بين ما جرى فى انتخابات اليونسكو وبين ما جرى فى التصويت على استضافة الدورة الأوليمبية، كيف نتعامل نحن فى مصر مع تلك الأمور؟ وكيف نراها؟ وكيف نستجيب لنتائجها أيا كانت؟ وكيف يتعامل معها العالم من حولنا؟ وما الذى يمكن أن نتعلمه من كل ما جرى حتى لا يجرى لنا ومعنا مستقبلا؟

وأول ما ينبغى تعلمه فى هذا الشأن، هو تصوراتنا الخاطئة لأى انتخابات، فنحن المصريين فى أعماقنا، لا نحترم الديمقراطية، لا نعرفها ولا نحبها، ولا نتخيل الانتخابات مجرد معركة وسباق على أصوات الناس واختياراتهم، إنما هى بالنسبة لنا أقرب إلى حرب تقرير المصير، معركة نهائية يخوضها الإنسان ليبقى بعدها على قيد الحياة أو يموت، وبالتالى فإن أى واحد فينا يخوض انتخابات، سواء رئاسة أو برلمان أو نقابة أو حتى ناد رياضى، يصبح فى تلك اللحظة يخوض معركة الدفاع عن النفس والشرف والعرض والسمعة والكرامة والمكانة، وهكذا لا تعنى خسارة الانتخابات إلا خسارة كل ذلك معا وفى وقت واحد وبمجرد إعلان النتيجة، وهو الأمر الذى لا نشهده فى الغرب، حيث يبقى هناك من يخسرون انتخاباتهم لكن لا يخسرون معها مكانتهم أو احترام وتقدير الناس لهم.

فخسارة الانتخابات هناك ليست فضيحة على الإطلاق، ليست نهاية لرحلة أو مشوار أو عطاء أو حياة، وهكذا جاءت اللحظة التى يعلن فيها رئيس اللجنة الأوليمبية الدولية اسم المدينة الفائزة، والتى كانت ريو دى جانيرو البرازيلية، ولم يصرخ الإعلام الأمريكى ولم يؤكد بأن تلك النتيجة فضيحة لأمريكا، ولم يظهر أى مفكر أو محلل أمريكى على شاشة، أو يكتب فى صحيفة عن تلك النتيجة شارحا مكانة أمريكا التى تآكلت، أو نفوذها الذى انتهى، لا الولايات المتحدة التى كانت مشاركة فى هذا السباق ولا إسبانيا ولا اليابان، فلم تكن هناك أى دولة من الدول الثلاث التى خسرت السباق الأوليمبى رفيع المستوى شعرت بما شعرت به مصر حين خسرت سباق اليونسكو، لم تكن هناك نفس الفضيحة التى تحدثنا عنها كلنا هنا فى مصر.

لم يعلن البيت الأبيض الحداد الرسمى والجماعى ولا قرر القصر الملكى الإسبانى رفع الرايات السوداء فوق أسواره.

والدرس الثانى الذى من الضرورى الالتفات إليه يتعلق برد الفعل، ففى مصر أقام فاروق حسنى الدنيا ولم يقعدها -ومعه رجاله ومستشاروه ومساعدوه وموظفوه والمتاجرون به وبنا- عن المؤامرة التى تعرضت لها مصر، والخيانة التى دفعت مصر ثمنها، والوجه القبيح للغرب الذى لم يكن معنا، ولأوروبا التى خذلتنا، بينما فى السباق الأوليمبى، لم يخرج علينا الرئيس الأمريكى باراك أوباما، الذى كان حاضرا بشخصه مع زوجته وكبار مستشاريه، بأى حديث عن أى مؤامرة أو خيانة.

ولم يقف بعدها يجاريهم العداء أو يتبادل معهم الشتائم والتهديد والوعيد على طريقة فاروق حسنى، مع أن أوباما يقدر على أى تهديد لأى أحد أو أى بلد، بينما فاروق حسنى لا يمكنه المساس بأى أحد من الذين طالتهم تهديداته واتهاماته ورغبته فى الثأر والانتقام،
لم يكن أوباما وحده فى السباق الأوليمبى الذى حزن وخرج صامتا دون حديث عن خيانة أو مؤامرة، إنما كان هناك فى نفس القاعة الملك الإسبانى خوان كارلوس ورودريجز ثاباتيرو رئيس الوزراء الإسبانى، ويوكيو هاتوياما رئيس الوزراء اليابانى، والبلدان الثلاثة خسرت السباق الأوليمبى لأن أى سباق لابد أن ينتهى بفائز واحد فقط، وليس لأن معاداة السامية أو عنصرية الغرب أو يهود العالم هم السبب، وهو ما يعنى أننا، بهذه الطريقة فى الفكر وتناول كل قضايانا ومعاركنا، لا نزال صغارا وسط الكبار، والدرس الثالث لفاروق حسنى ولكل المصريين كان حين فازت البرازيل على الولايات المتحدة وإسبانيا واليابان، فقد فازت الدولة النامية على الدول العظمى بسطوتها وقوتها ودون أى تنازلات أو مساومات، ولكن فقط لأن البرازيليين أجادوا التخطيط لمعركتهم بقيادة رئيسهم، لولا دى سيلفا، فنجحوا وانتصروا بمنتهى الحب والتقدير والاحترام.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة