يغيظنى تعبير "تيار الاستقلال"، فأصحابه ينطلقون من أن المختلفين معهم تابعون للسلطة الحاكمة، وهذا ليس بالضرورة صحيح، فهدفهم لو لم يقصدوا هو التخويف والإرهاب.. ولا يصبح أمامك طريق سوى أن توافقهم على أى شىء حتى تكون "حرا مستقلا" مثلهم.
وهذا التخويف يمنحهم حصانة، ليست من حقهم، ومن ثم خداع الرأى العام بأنهم يمثلون قوة مستقلة فعلا، فى حين أن الممارسات على أرض الواقع تشير إلى أنهم يريدون الاستقلال عن السلطة الحاكمة، وهذا حق أؤيده تماما، فى حين أنهم يلحقون أنفسهم بتيارات سياسية.. فهل الاستقلال يكون فقط عن الحكومة .. أم عن الجميع؟
هذا ما حدث فى نادى القضاة، وفى نقابة الصحفيين، ففى الأول كانت الشعارات جذابة، أن يكون القضاء سلطة مستقلة فى الميزانيات وغير الميزانيات، عن السلطة التنفيذية وعن غيرها. ولكن فى الممارسات انزلقوا إلى معاداة السلطة الحاكمة سياسيا، وليس على أرضية استقلال القضاء .. والفارق ضخم، الأول سياسى، والثانى مهنى، وعلى سبيل المثال هذا ما فعله المستشار محمود الخضيرى، الذى لم تعد قضيته استقلال القضاء، ولكن الخصومة السياسية مع السلطة، ومناصرة معارضيه، ومنهم الإخوان الذين أعلن تعاطفه معهم أكثر من مرة، وكل هذا ليس مكانه ساحة القضاء.
وهو ما حدث فى نقابة الصحفيين، فبزعم الاستقلال تحولت النقابة إلى ساحة إطلاق متبادلة بين أنصار السلطة الحاكمة وخصومها، وحدث تواطؤ، على سبيل المثال، من جانب هذا التيار على الانتهاك حقوق الصحفيين فى مؤسسات صحفية محسوبة على المعارضة، فى حين كان يدافعون عن الزملاء العاملين فى مؤسسات تسيطر عليها الحكومة.
الجريمة الكبرى فى حالتى نادى القضاة ونقابة الصحفيين، هى أن هذه تجمعات مهنية وليست سياسية، فأعضاء نقابة الصحفيين لم يلتحقوا بها على أساس برنامج سياسى، وكذلك القضاة لم يلتحقوا بناديهم على أساس سياسى مثل الأحزاب.. ولكن العضوية أساسها مهنى، تجمع بشرى يعمل فى مهنة واحدة، وله مصالح مهنية واحدة من الصعب الاختلاف عليها، فى حين سيختلفون حتما فى السياسة، لأن الطبيعى والبديهى أن يكون من بينهم منتمون لكل التيارات والأفكار والمعتقدات.
الاستقلال الحقيقى هنا ليس عن السلطة الحاكمة فقط، ولكن عن كل التيارات والأحزاب، فليس منطقيا أن تكون مستقلا هنا.. وتابعا هناك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة