علاء عبد الهادى

التسول الجماعى

السبت، 20 سبتمبر 2008 05:50 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مع ثبوت رؤية هلال رمضان وفى الأعياد والمناسبات الدينية، تكتسى مطالع الكبارى وإشارات المرور باللون الأخضر.

ظاهرة أصبحت تتفرد بها شوراع قاهرة المعز فى الأعوام الأخيرة، وغلبة اللون الأخضر، ليست لاسمح الله ابتهاجاً بتلك المناسبات، ولكنها تأتى من الأعداد الكبيرة لعمال شركات النظافة الذين يتركون أعمالهم ويتفرغون لممارسة التسول بكل الوسائل، حتى يعتقد من يزور مصر للوهلة الأولى أن مصر ليست إلا شعباً من المتسولين!

وأصبح زى عمال النظافة يعطى المشروعية لصاحبه أن يتسول، حتى وصل الأمر إلى ضبط عدد من الحالات التى يتم فيها تأجير الزى لفترة معينة، مقابل أجر، من أجل اقتسام حصيلة التسول، بما يجود به أصحاب الإحسان من طعام إلى أموال إلى زكاة.

الأمر أصبح ظاهرة لفتت انتباه السياح الذين رصدوا المهزلة بكاميرات الفيديو وبالصور الفوتوغرافية، كما لفت مراسلى وكالات الأنباء العالمية، وبدلاً من أن ينقل عن مصر أنها تستقبل شهر رمضان بالزينة وبالعادات والتقاليد التراثية الجميلة، أصبح ينقل عنها مشاهد التسول الجماعية.

أتذكر أزمة وقعت منذ أقل من عام تقريباً، عندما هدد فاروق حسنى وزير الثقافة بسحب معرض للآثار المصرية من إحدى العواصم الأوروبية، لا أتذكرها الآن على وجه التحديد، وليس مهماً اسم البلد، بقدر ما حدث، فقد قامت إدارة المتحف الذى يعرض فيه معرض الأثار الفرعونية، بعمل معرض مواز للصور الفوتوغرافية لمصر الحديثة، كنوع من المقارنة، بين ما تركه الفراعنة من حضارة وبين ما صنعه المصرى اليوم، وكانت صوراً كارثية ومؤسفة ومحزنة رغم صدقها: مشاهد لتلال القمامة، وصوراً للمتسولين إلى آخر مثل هذه الصور التى أصبحت تملأ شوارعنا. وانتهت الأزمة بأن اعتذرت إدارة المتحف وألغت معرض الصور الفوتوغرافية، ولكن بقيت الفضائح فى شوارعنا.

هل مثل هذه الظاهرة وغيرها، تدخل فى حسابات الحكومة، أم أن الزجاج الفيميه، والستائر التى تركب فى سيارات وزرائنا لا تتيح لهم مشاهدة ظاهرة التسول الجماعى، وأكوام القمامة التى تملأ شوارعنا.

لا يعنينى بالدرجة الأولى أن ألوم هؤلاء الذين الذين خرجوا إلى الشوارع بزيهم الرسمى رافعين الأيادى يسألون الناس، فالحاجة مرة، وكل منهم لديه أسرة وأطفال صغار، ولكنى ألوم دولة وحكومة أهدرت كرامة رجالها وعمالها وموظفيها، وأصبح كل منهم يحاول أن يقابل غول الأسعار الذى افترس الجميع على طريقته، موظف فى المحليات يرتشى، ويسمى الرشوة "رزق العيال" ومدرس يعطى الدروس الخصوصية، ويبخل بما لديه من علم لكى يعطيه لطلاب الدروس الخصوصية، وطبيب يكشف على مرضى العيادات الحكومية، لكى يلتقط منهم من يستطيع أن يسحبه إلى عيادته الخاصة، يسدد له الكشف، وإلا فلن تقدم له الخدمة الحقيقية .. وعسكرى المرور، رمز هيبة الدولة، يمد يده ليأخذ جنيهاً أو حتى نصف الجنيه من أجل مساعدة صاحب سيارة فى إيجاد مكان لانتظار سيارته!

باختصار كلنا يضع يده فى جيب الذى بجواره، وسط هذا الجو ماذا يفعل عامل نظافة بسيط لا يتقاضى إلا عدة عشرات من الجنيهات، سوى أن يعتبرها حقاًً مكتسباً، وبعدها يخرج إلى الشارع بحثاً عن أصحاب الجود.

الجميع يمارس التسول الجماعى، المواطن وأجهزة الدولة نفسها، والنتيجة هبوط مؤشر الانتماء إلى هذا الوطن إلى أدنى مستوى له.
اللهم الطف بهذا الوطن فى قضائك وقدرك.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة