نقلاً عن الإسبوعى
«الرئيس الدينى (بابا الأقباط) ،لا يمارس اختصاصه فى شريعة الأقباط الأرثوذكس بعيدا عن أية قواعد، وعليه أن يتبع القواعد المنصوص عليها فى هذه الشريعة، كما أنه يخضع لرقابة القضاء لمدى التزامه بهذه القواعد، لبيان ما إذا كان محقا فى الامتناع عن منح الترخيص بالزواج الثانى، أم أنه خرج بذلك عن قواعد الشريعة الأرثوذكسية».
هذا جزء من الحيثيات التى قدمتها المحكمة الإدارية العليا، التى رفضت الطعن الذى تقدمت به الكنيسة ضد الحكم بإلزام الكنيسة بالموافقة على الزواج الثانى، والمعنى هنا أن البابا مثل غيره من المسئولين الدينيين وغير الدينيين، ليس صاحب سلطة مطلقة، ولكنها مشروطة بالقانون والدستور، وهذا بالضبط هو الفخ الذى يقع فيه أحيانا قداسة البابا، انطلاقا من مفهوم خطير، وهو أنه المسئول الوحيد عن جميع النواحى التى تخص المسيحيين، أى أنه وبمعنى آخر رئيس جماعة المسيحيين، وإذا مددنا الخط على استقامته، فيتصور مخطئا أن له سلطات فوق سلطات الدولة، وهذا غير صحيح بالطبع.
وقبل أن أعود إلى الحيثيات، ستجد الكثير من الإشارات على هذا المنطق الخاطئ، منها مثلا تهديد البابا بالاعتكاف بسبب ما حدث مع وفاء قسطنطين، وذات التهديد فى مواقف أخرى، مثل أحداث الكشح، ناهيك عن رفضه هو والكثير من رجال الكنيسة للأحكام القضائية، التى صدرت على المتهمين، وأضف على ذلك أنه لا توجد رقابة من الأجهزة الرقابية فى الدولة - حسبما أعرف - على تبرعات الكنيسة وغيرها.
أعود إلى الحيثيات المهمة للمحكمة الإدارية العليا، لأنها فى غاية الأهمية، لأنها تركز على احترام الدولة قانونها ودستورها، فمن ضمن ما قالته الحيثيات: «إن هذا الحكم لا يعد تدخلا فى الشأن الدينى (...) فالهدف منه إيجاد التوازن بين حقوق القائمين على هذا الشأن، وبين حقوق المواطنين الدستورية، وفى إطار قواعد الشريعة دون الخروج عليها أو تجاوزها».
والمتوقع وهذا أمر طبيعى أن يرفض البابا، ويفند رجاله الحكم، فهذا أمر طبيعى وحق مشروع، فعلى سبيل المثال، صرح وقتها نجيب جبرائيل محامى الكنيسة، بأن هذا الحكم مخالف للدستور والقانون، فهذا رأيه وعليه أن يدافع عنه أمام القضاء، ولكن ليس من حقه هو أو غيره أن يرفض تنفيذ الحكم تحت أى مبرر، حتى لو كان «مخالفته للإنجيل»، كما قال البابا ورجال الكنيسة.. لماذا؟
1 - لأن هذه رخصة لأى مواطن فى البلد، مسئول أو غير مسئول، أن يرفض تنفيذ أحكام القضاء، بحجج دينية، مسلمة أو مسيحية.
2 - وفى هذه الحالة نفقد جميعا حصن العدالة، الذى نحتمى به جميعا.
3 - هذا لا يعنى على الإطلاق عدم السعى إلى تغيير الحكم بالوسائل القانونية، بل ومن واجب أى مواطن أن يسعى بجميع السبل السلمية لتغيير ما يراه خاطئا، عن طريق ضغوط الرأى العام، ووسائل الإعلام والمؤسسات التشريعية.
4 - لكن ليس من حق أحد، رفض تنفيذ الأحكام القضائية، لأن هذا يعنى الفوضى، أى عدم الثقة فى مؤسسة القضاء، وبالتالى يشرع كل مواطن لنفسه الأحكام التى تناسبه.
5 - الأهم ماذا يفعل المواطن الذى صدر لصالحه الحكم ويفشل فى تنفيذه، لن يبقى أمامه سوى الفوضى، أى أن يأخذ حقه بيده.
6 - فالبابا والكنيسة وكل المصريين من مختلف الديانات، أصحاب مصلحة حقيقية فى تفعيل دولة القانون، فى مواجهة من ينتهكها سواء كان لسبب دينى أو غير دينى، أو لسبب قمعى مثل السلطة الحاكمة.. فإذا نزعنا مظلة الحماية القانونية والدستورية.. لن يبقى أمامنا إلا الخراب، ولا أظن أن قداسة البابا يمكن أن يقبل ذلك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة