ياسر أيوب

الصراع على السلطة فى صحن الجامع الأزهر

الجمعة، 07 نوفمبر 2008 12:11 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أنا آخر شيخ للأزهر.. كانت هذه هى العبارة التى قالتها صحف كثيرة مؤخرا على لسان الدكتور سيد طنطاوى.. عبارة تمت صياغتها دراميا بكل ما هو متاح وممكن من مؤثرات وإيحاءات.. وبقانون السينما الذى لا يعترف إلا بالسيناريو المكتوب سلفا.. والأدوار فيه مرسومة بخطواتها ونظراتها وكلماتها.. وحيث لا مكان فيه لحوارات من خارج النص ولا لنجوم من خارج المسار.. ولم يكن الإمام الأكبر هو النجم الوحيد فى الفيلم.. وإنما تعددت النجوم كما فى أى فيلم.. أبطال وكومبارس.. كبار وصغار.. أساتذة وصحفيون.. وجوه كثيرة طلت عبر الشاشة ثائرة وغاضبة ومتجهمة.. الدكتور عبد الفتاح الشيخ رئيس جامعة الأزهر الأسبق.. ناشد مسلمى العالم كله الوقوف الآن بجانب الأزهر لحمايته من أجل أن يبقى.. أما الدكتور محمد حسين عويضة رئيس نادى أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر.. فلم يناشد أحدا وإنما طالب الأمة الإسلامية بأسرها بالوقوف فى وجه مؤامرة حكومة مصر للقضاء على الأزهر.. ثم قرر على لبن عضو مجلس الشعب وأحد نواب الإخوان المسلمين تحت قبة البرلمان التقدم بسؤال عاجل لرئيس الحكومة.. لم يكن سؤالا بقصد الاستفهام وإنما كان الاستنكار هو عنوانه ومضمونه والإعلان غير المباشر بأن الإخوان المسلمين يرفضون ويشجبون ويدينون هذه الخطة الحكومية للإجهاز على الأزهر وتفكيكه.

أما عناوين الصحافة وشهاداتها طيلة الأسبوعين الماضيين فكانت من نوعية: نظيف يحرق الأزهر.. فتنة طائفية تشعلها الحكومة.. الأيام الأخيرة لألف عام من التنوير.. المؤامرة الرخيصة والقرار المشبوه.. الأزهر يموت.. وعناوين وصفحات لجأت لكل ما فى قواميس اللغة العربية ومعاجمها من مفردات الشجب والرفض والسخرية والإدانة والاستنكار.. باختصار نحن أمام فصل جديد من الصراع المحتدم دوما بين الحكومة ومعارضيها.. بين الحكومة والشارع.. بين الدولة والإخوان المسلمين.. بين صحافة موافقة دائما وراضية وطائعة ومتفهمة ومتسامحة وصحافة رافضة طول الوقت وغاضبة من أى أحد وعلى كل شىء.. ولكنه ليس مجرد فصل آخر من هذه الصراعات كلها.. فالمعركة هذه المرة ليست من أجل كادر تعليمى أو جامعى أو طبى.. ولا هى أزمة رغيف عيش ناقص هنا أو مياه هناك لم تعد صالحة للشرب.. وإنما أصبح الأزهر نفسه هو المعركة.. ساحتها وغايتها.. بكل ما يعنيه الأزهر.. الدين والتاريخ وشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.. وبهذا العنوان وهذه اللافتات.. سار على بركة الله كل الذين أرادوا اختصام الحكومة وانتظروا أى خطأ أو خطيئة لجرجرتها إلى الشارع متهمة بإهانة الأزهر والشروع فى تدميره فيقيم عليها الشارع حد الحرابة ويحاكمها محاكمة المفسدين فى الأرض.

ولتحقيق هذا الهدف.. كان من الضرورى ألا يفهم الناس فى الشارع تفاصيل القضية وملابساتها.. فالعناوين وحدها تكفى.. وبالتالى كانت هناك صحف كثيرة لم تحفل كثيرا أو قليلا بما شرعت فيه الحكومة بالفعل أو بدأت التفكير فيه.. ولكنها توقفت كثيرا وطويلا عند الأزهر والشروع فى تخريبه وتدميره والقضاء عليه.. ولأن الناس فى بلادنا لا تزال تسوقها العاطفة وليس العقل.. جموع تحركها قلوبها ومشاعرها أكثر مما يحرضها المنطق وأصل الأشياء.. فقد تحقق الهدف وبدأت الحرب.. حرب إنقاذ الأزهر وتحريره من قبضة الحكومة كارهة الدين والأزهر.. ولم يجد هؤلاء الناس من يقول لهم إن أصل كل هذه الحرب الكبرى لا يتعدى تفكير الحكومة فى فصل الكليات العملية والمدنية عن جامعة الأزهر والتى ستكتفى بالكليات الشرعية فقط.. وأن كليات مثل الطب والهندسة والعلوم لن تعود تابعة للأزهر وإنما ستصبح كليات عادية مثل غيرها فى مصر تابعة للمجلس الأعلى للجامعات.

وأنا لا أكتب هنا الآن لأناقش هذا القرار ومعناه أو تداعياته وضروراته.. وبالتأكيد لا أعترض على هذا القرار ولا أوافق عليه أيضا.. وإنما أعترض فقط على تضخيم الأمر إلى حد أن يصبح تدميرا للأزهر.. أعترض وأبدى انزعاجى واستيائى من مثل هذه الجرأة والقدرة على المبالغة التى تجعل من قرار حكومى بنقل تبعية كلية للطب من جامعة الأزهر إلى المجلس الأعلى للجامعات، وكأنها مؤامرة على الأزهر وخطة للإجهاز عليه ومقدمة لأن يصبح الدكتور محمد سيد طنطاوى هو آخر شيخ للأزهر.. ولا أفهم العلاقة بين نقل كليات للطب أو الهندسة أو اللغات من جامعة الأزهر وبين كيان ومعنى الأزهر الذى يمتد تاريخه لأكثر من ألف عام.. ولا أحترم أيضا أشخاصا يتباكون الآن على القانون رقم 103 لسنة 1961 والذى اشتهر باسم قانون تطوير الأزهر بينما هم فى أدبياتهم وكتاباتهم كانوا يصفون نفس هذا القانون بأنه كان قانون جمال عبد الناصر لتدمير الأزهر.

وإذا كنت فى قرارة نفسى أجدنى متعاطفا تلقائيا بكل من يعارض حكومتنا ويعاتبها ويلومها وكل من يحلم بسقوطها وزوالها.. لكننى رغما عنى أجدنى واقفا فى صف معارضى المعارضين للحكومة.. ليس لأننى أؤيد فصل هذه الكليات المدنية عن جامعة الأزهر.. ولكن لأننى أرفض الزج بالأزهر كجامع ومعنى وتاريخ فى مثل هذا الصراع الذى بالتأكيد له أسبابه المخفية والتى ليس من بينها الأزهر والأعوام الألف والدور التاريخى لهذا الجامع العريق فى تاريخ مصر ومسيرتها وسيرتها.

أرفض الزج بالدين فى معركة حياتية ووظيفية ودراسية ليس الدين فى حقيقة الأمر إحدى غاياتها بقدر ما هو مجرد إحدى لافتاتها ووسائلها.. ولست أقصد الزج بالدين فى هذه المعركة تحديدا.. وإنما أقصد هذا التوجه العام.. الرسمى والشعبى.. والذى شهدته مصر منذ ثورة يوليو عام 1952 .. وإذا كان من الثابت تاريخيا أن محمد على هو أول حاكم يخرج على الدين فى تاريخ مصر.. وأول من أحال الإسلام فى مصر للتقاعد.. وأول من أحال رجال الدين الإسلامى من طبقة إلى ديوان موظفين.. وأول من حرم المشايخ من وظائفهم وحكم عليهم بالعزلة التامة ولم يعد فى استطاعتهم أن يفرضوا على الحكام الحكم بمقتضى العدالة الواجبة.. لكنه من الثابت.. تاريخيا أيضا.. أن محمد على أبدا لم يلجأ للدين كتبرير لسياساته أو كمبرر شرعى لبقائه فى السلطة.. أما جمال عبد الناصر فلم يكن ضد الدين.. وإنما أراد فقط استغلال هذا الدين.. حتى أنه يمكن اختصار ما جرى ودون أية مبالغة بالتأكيد على أن جمال عبد الناصر أمم الإسلام فى مصر.. أو أحال الإسلام إلى قطاع عام خاضع للسلطة.. سواء كانت سلطة وزير أو حكومة أو سلطة رئيس.

وفى أحد كتبه أكد الباحث الكبير والقدير نبيل عبد الفتاح أن جمال عبد الناصر استخدم الدين فى عمليات التجنيد والتعبئة السياسية.. وأنه لم يكتف بما كان يتمتع به من زعامة كاريزمية فى مجتمع متخلف تسوده الأمية.. وإنما لجأ للدين واستخدم حتى النصوص المقدسة كأداة للتبرير.. تبرير كل ما طرحه من أفكار وما اتخذه من قرارات مثل التجربة الاشتراكية وليثبت أن الاشتراكية ليست ضد الإسلام.

ومن الواضح أن استخدام جمال عبد الناصر واستغلاله للدين .. لم يكن ليحدهما شىء.. فهو لم يكتف بمدى ما أصاب الدين ومساحته من تقلص واختصار وإنما قرر فى سنة 1955 إلغاء المحاكم الشرعية وقضى بذلك على سيطرة الدين نهائيا على القضاء، وأراد أيضا استغلال حتى الحج.. وقد سبق أن قال أنه بات من الواجب تغيير نظرتنا للحج.. لا يجب أن يصبح الذهاب إلى الكعبة تذكرة لدخول الجنة بعد عمر مديد ومحاولة ساذجة لشراء الغفران بعد حياة حافلة.. ويجب أن تكون للحج قوة سياسية ضخمة.. وكانت قمة استغلال الدين واستخدامه فى العهد الناصرى هو ذلك الصدام الذى بدأ فى الرابع عشر من يناير عام 1954 بين الثورة وبين جماعة الإخوان المسلمين.. حين صدر قرار مجلس قيادة الثورة بحل الجماعة.. صدام بقى فترة من الوقت - برغم قرار الحل - يعيش تحت الجلد ويسكن القلب والنية دون أن يطفو على السطح.. لكنه سرعان ما تحول إلى العلن.. وأصبح حربا ما كان ليكسبها تلاميذ الشهيد حسن البنا.. وما كانت ثورة يوليو وجمال عبدالناصر ليطيقوا خسارتها.. وإذ بالأمر ينتهى بموجات متعاقبة ودامية.. محاولات اغتيال وحملات اعتقال ومشانق وضحايا وشهداء.. والواقع أنه لم يكن صراعا من أجل الدين أو حربا فى سبيل الله.. وإنما صراع على السلطة .. كان صراعا للقوى لا مجرد صدام بين أفكار.. صراع خلف آثارا ونتائج لا حد لها أو نهاية حتى الآن على الأقل.. نتائج وآثار يمكن تلخيصها فى عبارة واحدة.. الدين كله تحول إلى ضحية للاثنين معا.. تحول الدين فى مفهوم الإخوان المسلمين إلى منشور سياسى علنى يدعو المسلمين للإطاحة بجمال عبد الناصر بأية وسيلة ممكنة.. لا فارق بين القنابل أو آيات القرآن.. وفى مفهوم النظام أصبح الدين مجموعة من العبادات تتلخص فى الصلاة والصوم والزكاة والحج لمن استطاع إليه سبيلا.

وأخيرا .. كان هذا القانون .. القانون رقم 103 الذى صدر عام 1961 باسم تطوير الأزهر.. والذى أثار الكثير جدا من الجدل والصخب.. فقد كان هناك كثيرون يرفضون هذا القانون وهذا التطوير.. يرفضون أن تدخل دراسات الطب والهندسة إلى الأزهر.. وفى إحدى خطبه الشهيرة وقف الشيخ كشك على المنبر يقول أن ذلك القانون كان بقصد تدمير لا تطوير الأزهر، وبأسلوبه الساخر وقف الشيخ الضرير يخاطب رجال الأزهر متسائلا.. ألا فخبرونى يا رجال الأزهر كم يحفظ أحدكم من القرآن بعد التخرج من الأزهر؟ كم سورة يحفظها؟ إن هناك من خريجى الأزهر فى هذه الأيام من لا يستطيع قراءة القرآن فى المصحف الشريف.. ويواصل الشيخ كشك خطبته قائلا: شيخ الأزهر متخصص فى الفلسفة.. وما سمعنا عن شيوخ أزهر متخصصين فى الفلسفة.. ولست أدرى من سيعين بعد ذلك شيخا للأزهر.. قد يكون لواء أركان حرب.. فمشيخة الأزهر لم تعد تقوم للإسلام بأية خدمة.

والآن.. أصبح هذا هو القانون الذى يتباكى عليه الجميع.. وهو ما يعنى أن كلنا لا نزال نتاجر بالدين حين نضطر إلى ذلك.. بعضنا يحتاج للدين وآيات القرآن حين يريدون أن يقولوا نعم.. وبعض آخر يلجأون لنفس القرآن والآيات حين يريدون أن يقولوا لا.. ودائما ما كان الأزهر هو الوسيلة الملائمة لمثل هذه الحروب والصراعات.. وفى كل صراع كان يتم تضخيم دور الأزهر فى حياة المصريين ومسيرتهم حتى تنجح المساعى الحقيقية الداعية لهذه الحرب.. وأعرف أننى قد أواجه حجارة كثيرة وأحكاما بالرجم والإدانة لو استعنت بالله الآن وقلت إن الأزهر جامع عريق جدا.. ومهم جدا.. لكنه أبدا لم يكن طول الوقت هو حامى مصر وأهلها وأخلاقياتها ومعاهداتها مع السماء حيث الله والملائكة وحروبها على الأرض حيث الظالمين والفاسدين.

فالأزهر كان المسجد الذى بناه جوهر الصقلى بأمر الخليفة الفاطمى المعز لدين الله.. وكان رابع مسجد تملكه مصر وأول مسجد فى مدينة القاهرة.. وسرعان ما تحول من جامع إلى جامعة تشهد تدريس علوم الدين ويجتمع فيها طلاب العلم والدين من مختلف بلدان الإسلام.. ولا يمكن إغفال مرات عديدة كان الأزهر فيها بمثابة نقطة البداية للغضب والانتفاض سواء من أجل الإسلام أو مصر كدولة وبلد ومجتمع.. ولكننا إذا جمعنا الكتابات التاريخية وشهادات المؤرخين عن الدور السياسى للأزهر فإنها لن تصلح مطلقا للمقارنة بالكتابات والصفحات التى اجتهدت لترصد احتفالات الأزهر بقدوم شهر رمضان وبحفاوة الأزهر بكل خليفة أو سلطان جديد فى البلاد.. وباستثناء بعض المظاهرات والاعتصامات الغاضبة.. لم نجد الأزهر يخوض معركة حقيقية خشنة ضد أى والى أو خليفة أو سلطان أو ملك أو رئيس.. بل إنه حين دخلت خيول نابليون الأزهر.. كان المصريون الفقراء والبسطاء هم الذين قادوا حروب الدم والشهادة دفاعا عن الأزهر ولم يكن شيوخ الأزهر هم قادة هذه الحرب.. وحين قام محمد على بالتنكيل بالأزهر لم يعترض أحد فى الأزهر، وكل ما جرى كانت دعوات لإصلاح أحوال الأزهر وإدخال بعض العلوم الحديثة فى مناهجه.. وقوانين حاولت علاج القصور فى مناهج تعليمه ونظم الدراسة به مثل أن يقرر الشيخ محمد الأحمدى الظواهرى شيخ الأزهر فى عام 1930 إنشاء ثلاث كليات لأول مرة فى تاريخ الأزهر؛ أصول الدين والشريعة واللغة العربية.

ولعله من المناسب التوقف عند قصة شيخ الأزهر الوحيد الذى لم يكن مصريا.. ففيها كثير من المعانى والدلائل.. فمن بين ثلاثة وأربعين شيخا للأزهر حتى الآن.. من الشيخ محمد عبدالله الخرش إلى الشيخ سيد طنطاوى.. شهد عام 1952 تعيين تونسى شيخا للأزهر.. وهو الشيخ محمد الخضر حسين الذى هاجر من تونس إلى مصر واستوطنها واكتسب جنسيتها.. وحكاية اختياره تتلخص فى أن عضوا بمجلس قيادة الثورة ذهب إليه يسأله عن رأيه فيمن يصلحون لشياخة الأزهر.. فأثنى الرجل على كل الأسماء التى ذكرها عضو مجلس الثورة.. فما كان من جمال عبد الناصر إلا أن قرر تعيين محمد الخضر حسين شيخا للأزهر.. هكذا بكل بساطة.. وكأنه لا فارق هناك بين تعيين شيخ للأزهر وبين تعيين رئيس لأى حى فى أية مدينة مصرية.. قانون الصدفة والاستسهال والاستظراف والاستملاح الشخصى لا أكثر ولا أقل.

وإن كان هذا لا يعنى أن هناك شيوخا تعاقبوا على قيادة الأزهر كان لهم شأنهم وسيبقى تاريخهم يحض على تقديرهم واحترامهم.. منهم الشيخ عبد الحليم محمود والذى حين فوجئ فى عام 1974 بالرئيس السادات يصدر قرارا جمهوريا يكاد يجرد شيخ الأزهر من كثير من اختصاصاته ويمنحها لوزير الأوقاف وشئون الأزهر، فما كان من الشيخ الجليل إلا أن قدم استقالته وامتنع عن الذهاب إلى مكتبه ورفض تسلم راتبه حتى اضطر الرئيس السادات لأن يراجع قراره وأن يعيد إلى شيخ الأزهر كل اختصاصاته القديمة والأصيلة.. وهى حكاية تعنى احترام رجل لم يشأ التنازل عن قيمته وكبريائه.. ولكنها لا تصلح وحدها.. ولا حكايات أخرى مماثلة لشيوخ كبار آخرين.. كدليل لا يقبل الشك أو المراجعة على أن الأزهر هو الذى قاد المصريين فى كل حروبهم سواء من أجل الله أو من أجل رغيف العيش على الأرض.. ومن المؤكد أننا نحن أنفسنا الذين نصنع أساطيرنا ونخترع أبطالنا ونحن الذين نصبح خائفين بعد ذلك على مراجعة هذه الأساطير أو محاسبة هؤلاء الأبطال بالعقل والمنطق.. من المؤكد أيضا أننى هنا لا أصدر أحكاما قاطعة بالإدانة أو البراءة.. وإنما فقط أجتهد داعيا كل الناس لأن تفكر بهدوء.. لأن تتأمل وتتمهل وتراجع معتقداتها وأفكارها وانطباعاتها التى غالبا ما استوطنت الذاكرة الفردية والجماعية دون تدقيق أو مراجعة.. تماما مثل أولئك الذين أرادونا الآن أن ننتفض غضبا للدفاع عن الأزهر.. بينما الحقيقة هم يريدون الإبقاء على الكليات العملية والحياتية داخل الأزهر.. وكان من الممكن -ولا يزال ممكنا- أن يعترض هؤلاء على ذلك وأن يطرحوا علينا أفكارهم ومخاوفهم وأسباب ودواعى اعتراضهم.. ولكن دون أن يخلطوا الأوراق ويزعموا أنهم يدافعون عن كيان وكبرياء السنوات الألف.. فكلية طب الأزهر ليست لها علاقة لا بالأزهر ولا بالسنوات الألف.. فهى بدأت الحياة أصلا فى بداية الستينيات.. أى منذ خمسين عاما فقط أو أكثر قليلا وبالتالى فإن بقاءها أو رحيلها أمر يخص طلبتها وأساتذتها.. ولكن دون أن يصبح بسببها أحمد نظيف هو نابليون الجديد الذى سيدخل بخيوله جامع الأزهر أو يصبح هو محمد على الذى أحال الأزهر من مسجد للشيوخ إلى ديوان للموظفين.

لمعلوماتك..
بلافتة الدفاع عن الأزهر وكبرياء السنوات الألف.. سار على بركة الله كل الذين أرادوا اختصام الحكومة وانتظروا أى خطأ أو خطيئة لجرجرتها إلى الشارع متهمة بإهانة الأزهر والشروع فى تدميره فيقيم عليها الشارع حد الحرابة ويحاكمها محاكمة المفسدين فى الأرض.
لا أحترم أشخاصا يتباكون الآن على القانون رقم 103 لسنة 1961 والذى اشتهر باسم قانون تطوير الأزهر بينما هم فى أدبياتهم وكتاباتهم كانوا يصفون نفس هذا القانون بأنه كان قانون جمال عبد الناصر لتدمير الأزهر.
أعرف أننى قد أواجه حجارة كثيرة وأحكاما بالرجم والإدانة لو استعنت بالله الآن وقلت إن الأزهر جامع عريق جدا.. ومهم جدا.. لكنه أبدا لم يكن طول الوقت حامى مصر وأهلها وأخلاقياتها ومعاهداتها مع السماء حيث الله والملائكة وحروبها على الأرض حيث الظالمين والفاسدين.
سواء بقيت كلية الطب فى جامعة الأزهر أو رحلت بعيدا.. فلن يصبح أحمد نظيف بسبب ذلك هو نابليون الجديد الذى سيدخل بخيوله جامع الأزهر.. أو يصبح هو محمد على الذى أحال الأزهر من مسجد للشيوخ إلى ديوان للموظفين.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة