في مثل هذا اليوم قبل 310 أعوام رحل الملك لويس الرابع عشر، أحد أشهر ملوك فرنسا وأكثرهم تأثيرًا فى الحياة الثقافية والفنية الأوروبية، ومع أنه يُعرف سياسيًا بلقب "الملك الشمس"، فإن اسمه أيضًا يرتبط بتحوّل الباليه من طقس بلاطى إلى فن مسرحى مستقل، له قواعده وتقنياته ومدارسه.
ولد لويس الرابع عشر عام 1638، وتولى العرش رسميًا وهو في الخامسة من عمره، لكن السلطة الفعلية لم تكن بيده حتى وفاة الكاردينال مازارين عام 1661. في العام نفسه، اتخذ لويس الرابع عشر خطوة مهمة في تاريخ الفنون، فأصدر مرسومًا بإنشاء الأكاديمية الملكية للرقص — أول مدرسة متخصصة في الباليه في التاريخ، والتي تُعد اليوم النواة التي انطلقت منها مدارس الباليه الكلاسيكي حول العالم.
لويس الرابع عشر والباليه
علاقة الملك لويس الرابع عشر بهذا الفن لم تكن إدارية فحسب، بل شخصية أيضًا، فقد شارك بنفسه في عروض الباليه، مؤديًا أدوارًا استعراضية في أكثر من 25 عملًا راقصًا، وأشهرها دور "إله الشمس"، الذي ألهم لقبه الأشهر: "الملك الشمس".
ويشير كتاب "تاريخ الباليه" للمؤرخ الفرنسي بيير مشو، إلى أن بذور الباليه زُرعت في فرنسا مع عودة الملك شارل الثامن من حملته في إيطاليا، حيث نقل معه فنون الرقص التي كانت تُمارس في حفلات النبلاء الإيطاليين. لكن الملك لويس هو من منح الباليه شكله المنهجي، من خلال دعم المواهب، وتحديد تقنيات الأداء، وإنشاء البنية المؤسسية التي نقلت الباليه من القصور إلى المسارح العامة.
ومع مرور الوقت، تخرج من الأكاديمية جيل من الراقصين المحترفين، كان جميعهم من الرجال في البداية، حتى عام 1681، عندما ظهرت أول راقصة باليه على المسرح في باريس، وكانت "جيني فاندن"، التي تعتبر اليوم أول "باليـرينا" في التاريخ.
وهكذا لم يكن لويس الرابع عشر مجرد ملك مهتم بالفن، بل كان أحد أبرز من صنعوا ملامح الباليه كما نعرفه اليوم فنًا راقيًا تتجلى فيه الحركة والتقنية والجمال، مدعومًا برؤية ملك أراد للثقافة أن تكون امتدادًا لسلطته، وجسرًا بين القصور والشعوب.