بيشوى رمزى

مصر والبحرين.. التنمية في مواجهة الاحتلال والفوضى

الخميس، 04 سبتمبر 2025 10:02 ص


رفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم والإفراج عن الرهائن الإسرائيليين والتعاون التنموي هي المحاور الثلاثة التي دارت حولها اللقاء الذي عقده الرئيس عبد الفتاح السيسي مع ولي عهد البحرين، الأمير سلمان بن حمد آل خليفة، مما يعكس تكاملا في الرؤى في إطار السياسات التي تتبناها الدولتين، والتي تقوم في الاساس على اعتماد الرؤى التنموية كأحد الأدوات المؤثرة، التي تتجاوز مجرد تحقيق أرقام ايجابية في خانة النمو الاقتصادي، نحو افاق أوسع تشمل بناء سياسات اقليمية من شأنها تحقيق حالة من الاستقرار المستدام، وهو الأمر الذي يرتبط بصورة مباشرة بالأوضاع على الأراضي الفلسطينية، في اطار القضية التي تحظى بمركزيتها في منطقة الشرق الأوسط.

ولعل الارتباط المباشر بين القضية الفلسطينية والحالة التنموية في الاقليم تجلت في أبهى صورها في الرؤية المصرية خلال ادارتها للعدوان على غزة، وربما سبقته في عدة مراحل، وهو ما بدا بوضوح في الخطة المصرية لإعادة إعمار القطاع، والتي أقرتها القمة العربية الاستثنائية التي عقدت بالقاهرة في مارس الماضي، برئاسة مشتركة مصرية بحرينية، حيث لم تقتصر على مجرد بناء ما دمرته آليات الاحتلال، وإنما خلق فرص اقتصادية لسكان القطاع من شأنها تثبيتهم على أراضيهم، وهو ما يعكس توافقا مصريا بحرينيا، يحظى بشرعية عربية جمعية فيما يتعلق بمناهضة التهجير والتصدي لمخططات الاحتلال التي تهدف في الاساس إلى تقويض القضية الفلسطينية ووأد الدولة المنشودة عبر تجريدها من مواطنيها.

الرؤية المصرية البحرينية تقوم في الاساس على تحقيق الاستقرار عبر دعم الصمود الفلسطيني بالتنمية، بعيدا عن شعارات استثمرتها إسرائيل لسنوات لتعزيز الانقسام داخل المعسكر الداعم للحق الفلسطيني بين محورين، أحدهما تبنى المقاومة المسلحة، دون إنجاز يذكر سوى الخطابات الحنجورية التي أسفرت عن سقوط آلاف الأبرياء، وآخر معتدل، وصموه بالاعتدال، ليمتد الانقسام الى الداخل الفلسطيني، مما خلق انفصالا في السلطة بين الضفة الغربية والقطاع، دفعت الاحتلال الى المناداة بالفصل الجغرافي بينهما، ليحرم الدولة الفلسطينية المنشودة من شرط آخر لقيامها وهو وحدة أراضيها.

التوافق المصري - البحريني، حول رفض التهجير والتمسك بحقوق الفلسطينيين في قيام دولتهم، مع التزامهما بالإفراج عن الرهائن، عبر رؤى تنموية ذات نطاق إقليمي، في إطار زيارة ولي العهد للقاهرة، تمثل تعزيزا مهما لما أسميته في مقالات سابقة "معسكر التنمية"، في منطقة الشرق الأوسط، والذي يعتمد على خلق الشراكات الاقليمية والدولية، التي تمثل بديلا لسياسات المحاور التي سادت الاقليم لعقود طويلة، خاصة وان تلك الشراكات تحمل قدرا من المرونة، في إطار قبول الخلافات العابرة بين اعضائها، بينما تعمل في الوقت نفسه على تعظيم المصالح المشتركة، عكس التحالفات التقليدية التي تتمسك بما يسمى "تطابق وجهات النظر"، وهو ما يخالف طبيعة العمل السياسي الذي يقوم في الاساس على أبعاد مصلحية بحتة.

التوافق الكبير بين القاهرة والمنامة يضفي المزيد من الزخم لشبكة من الشراكات التي أرستها الدولة المصرية، سواء في إطار ثلاثيتها مع العراق والأردن، وما أسفرت عنه من حزمة من المصالحات الاقليمية، او الشراكة القوية مع دول الخليج، وهو ما يتجلى في تكامل الأدوار معها في العديد من القضايا وعلى رأسها ما يتعلق بإدارة العدوان على غزة، وهو ما يبدو في الشراكة مع قطر في محادثات وقف إطلاق النار، وتبادل استضافة القمم مع المملكة العربية السعودية لحشد الدعم الدولي والاقليمي للقضية الفلسطينية، ناهيك عن التوافق مع البحرين فيما يتعلق بتحقيق التكامل التنموي، وما يحمله من مسارات لدعم القضية، أولها دولي يرتبط بتحويل القوى العربية كطرف فاعل قادر على تقديم رؤى واقعية للحل، على غرار الخطة التي مررتها قمة مارس لاعادة إعمار غزة، بينما يرتبط الاخر بما تساهم به الحالة التنموية الجمعية في اضفاء الزخم للنفوذ العربي في مواجهة المعسكر الداعم لإسرائيل، وبالتالي المشاركة في رسم مستقبل القضية بما يحقق المصلحة الفلسطينية.

الرؤية العربية في هذا الاطار تساهم بصورة كبيرة في تحقيق تحول جذري للدور الذي تلعبه القوى الاقليمية من كونها اطراف في الصراع في مواجهة إسرائيل، وهي الصورة التي طالما روج لها الاحتلال لتصدير صورة "الدولة المضطهدة" من جيرانها، ليحظى بقدر كبير من التعاطف الدولي، إلى طرف يسعى إلى الاستقرار الاقليمي، وهو ما ساهم بصورة كبيرة في تجريد بنيامين نتنياهو وحكومته من الدعم الدولي في إطار انكشاف مخططاته وانتهاكاته امام العالم لتحقق القضية الفلسطينية زخما غير مسبوق بدأ في سلسلة من الاعترافات بالدولة من قبل عدد كبير من الدول المحسوبة على المعسكر الداعم للدولة العبرية.

والواقع أن آثار الرؤية التنموية العربية لا تقتصر على القضية الفلسطينية وإنما تمتد إلى مواجهة كافة التهديدات الامنية التي تلاحق المنطقة والعالم بين الأرهاب وموجات النزوح لتصبح التنمية الجمعية أحد ادوات الامن الناعمة التي من شأنها تحقيق استقرار طويل المدي في منطقة لاحقتها الفوضى في الكثير من المراحل، وأبرزها في العقد الماضي إبان "الربيع" المزعوم الذي وضع العديد من دول المنطقة على حافة الحروب الاهلية


وهنا يمكننا القول بأن أهمية الرؤية العربية التنموية تتجلى ليس فقط في التصدي لمخططات التهجير أو إعادة إعمار غزة، وإنما في تقديم نموذج استراتيجي بديل يعيد صياغة حضور العرب في النظام الدولي، بعيدًا عن ثنائية “الرفض” و”الخضوع” التي حكمت مواقفهم لعقود، فالتنمية الجمعية تتحول إلى أداة من أدوات الأمن الناعم، وإلى رافعة للشرعية العربية في مواجهة “فوضى الشرعيات” التي يشهدها العالم، بما يمنح العرب قدرة متزايدة على التأثير في مستقبل الإقليم والعالم على السواء




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب