خالد صلاح

التأمين هو الحل.. كيف نستثمر الأموال خارج الجهاز المصرفى لزيادة النمو فى مصر

الثلاثاء، 30 سبتمبر 2025 08:00 ص


- ملاحظات على هامش لقاء مع محمد فريد رئيس هيئة الرقابة المالية

لا شك أن التواصل المتكرر بين أجهزة الدولة والإعلاميين أصبح سمة واضحة فى الأشهر الأخيرة، فقد بدأنا بلقاء وزير التعليم الذى عرض ملامح خططه أمام الصحافة، ثم كان لوزيرة التخطيط لقاء موسع شرحت فيه بالتفصيل ملامح السردية الاقتصادية، وفى وقت لاحق التقى وزير البترول بمجموعة من رؤساء التحرير ليعرض التحديات والفرص فى قطاع الطاقة، كما فتح رئيس الوزراء بدوره عددا كبيرا من الملفات العامة فى جلسة حوارية مطولة مع الإعلاميين.. كل هذه اللقاءات رسخت اتجاها جديدا يقوم على شرح القضايا للرأى العام واستقبال النقاشات حولها.

وكان آخر هذه اللقاءات مع الدكتور محمد فريد رئيس هيئة الرقابة المالية الذى دعا عددا كبيرا من رؤساء التحرير والكتاب إلى اجتماع مهم ليفتح أمامهم ملفات الاستثمار غير المصرفى ويدعوهم إلى المشاركة فى مناقشة القضايا التى تمس أموال المصريين ومدخراتهم خارج الجهاز المصرفى.

اللقاء مع الدكتور محمد فريد كان بمثابة جلسة حوارية حقيقية وموسعة وامتدت لساعات وشارك فيها عدد كبير من أهل الكلمة بأسئلتهم وتساؤلاتهم وقدّم خلالها محمد فريد شرحا تفصيليا لدور الهيئة وهو دور فى تقديرى أشبه بما يقوم به البنك المركزى ولكن لأموال المصريين فى القطاع غير المصرفى فهو الحارس الذى يتولى تنظيم البورصة والتأمين والتمويل العقارى والتمويل الاستهلاكى والتأجير التمويلى وتمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة وهى كلها أنشطة ترتبط ارتباطا مباشرا بحياة المصريين اليومية وبمدخراتهم واستثماراتهم خارج النظام المصرفي.

الهيئة لا تقوم فقط بمهمة الرقابة بل تسعى إلى بناء سوق جاذبة وشفافة تشجع المواطن والمستثمر المحلى والأجنبى على الثقة فى الاستثمار غير المصرفي، لذلك جاءت أرقام التقرير الأخير لتكشف أن إجمالى التمويل عبر الأنشطة غير المصرفية بلغ أكثر من سبعمئة مليار جنيه فى نصف عام واحد، وأن التمويل العقارى ارتفع إلى أكثر من ثلاثة وعشرين مليارا، بينما بلغ التمويل الاستهلاكى نحو سبعة وأربعين مليارا والتأجير التمويلى تجاوز اثنين وتسعين مليارا فى حين جذب الاستثمار فى صناديق الذهب مئات الآلاف من المصريين بأصول قاربت ثلاثة مليارات كل هذه الأرقام تؤكد أن السوق غير المصرفية باتت رافدا أساسيا موازيا للبنوك فى تحريك عجلة الاقتصاد.

لكن الرسالة الأكثر قوة التى خرج بها اللقاء كانت أن التأمين هو الحل فالحملة التى تستعد الهيئة لإطلاقها لا تهدف إلى دعاية عابرة، بل إلى تغيير الثقافة السائدة تجاه التأمين وجعل الادخار التأمينى جزءا من وعى المصريين اليومى الحملة التى تحمل شعارا معناه أنك حين تؤمن نفسك وأسرتك فإنك لا تبدأ من الصفر مع كل أزمة جاءت لتؤكد أن التأمين ليس عبئا بل أداة حماية وادخار فى أن واحد كل جنيه يدخل فى وثيقة تأمينية منظمة يعود إلى الاقتصاد كتمويل لمصنع أو مشروع سكنى أو بنية تحتية جديدة، وبذلك تتحول المدخرات الفردية إلى طاقة جماعية تدفع النمو وتوسع فرص العمل.

أهمية هذه الحملة تكمن فى أن معدل الاختراق التأمينى فى مصر لا يزال متواضعا للغاية بالمقارنة مع الأسواق الناشئة والمتقدمة وهو ما يعنى أن هناك مجالا واسعا لمضاعفة حجم المدخرات التى يمكن أن تدخل النظام التأمينى المنظم ومعها تتضاعف قدرة الاقتصاد على تمويل استثمارات جديدة الحملة أيضا تعكس رغبة فى بناء ثقة بين المواطن وشركات التأمين من خلال تبسيط المنتجات وشرح الحقوق والالتزامات بشفافية وهو ما يفتح الباب أمام تحول حقيقى فى علاقة المصرى بالتأمين باعتباره سياسة اقتصادية لا رفاهية اجتماعية.

وفى موازاة ذلك شدد محمد فريد على أن الهيئة لا تكتفى بالتشجيع بل تمارس الرقابة والردع حيث تصدر قوائم سلبية للكيانات غير المرخصة وتفرض معايير ملاءة مالية متوافقة مع بازل ثلاثة لضمان قدرة الشركات على الوفاء بالتزاماتها، وهذا يعنى أن النمو الذى تسعى إليه الهيئة ليس عشوائيا بل مبنيا على قواعد متينة تحمى حقوق المتعاملين وتضمن سلامة السوق.

ويبقى على الإعلام دور لا غنى عنه فى هذا المشهد، فالهيئة فتحت الأبواب لكن الرسالة لن تصل إلى المواطن ما لم تتحول إلى سرد حى ومفهوم ينقله الصحفيون والكتاب إلى الناس الإعلام هو الجسر الذى يربط بين المصطلحات الفنية المعقدة وبين وعى المجتمع، وهو أيضا الرقيب الذى يتابع ويدقق ويقارن بين الوعود والنتائج ليضمن أن الشفافية لا تبقى شعارا بل ممارسة عملية.

الخلاصة أن مصر لن تستطيع أن ترفع معدلات النمو إلا إذا تم توظيف هذه المدخرات فى مسارها الإنتاجى الصحيح، فكل جنيه يذهب إلى وثيقة تأمين أو استثمار منظم يجب أن يتحول إلى طاقة تدفع الاقتصاد إلى الأمام إذا تحولت الحملة التأمينية إلى ثقافة عامة، وإذا حافظت الهيئة على شفافيتها وصلابتها الرقابية فسوف يتحقق التوازن بين الحماية والنمو، ويصبح القطاع غير المصرفى بالفعل قوة موازية للبنوك فى بناء اقتصاد أكثر قوة وعدالة واستدامة.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب