أحمد طنطاوى

نسخة بدوية من دين متحضر.. بدعة المولد النبوى الشريف

الأربعاء، 03 سبتمبر 2025 07:00 ص


لا تطل علينا ذكرى مولد صاحب المقام الرفيع صلى الله عليه وسلم بالسرور وحده وإنما أيضا بضده، ومصدر الأخير هو طوفان الفيديوهات والوسائط المختلفة التى تكافح "بدعة" الاحتفال بهذه الذكرى السعيدة، فتستفزك كمسلم حقيقى مستنير، وتنهض لمكافحة هذه المكافحة، وهش "الغربان السود" عن المسلمين الراغبين فى توقير نبيهم وتجديد الاعتراف بفضله فى يوم كهذا.


وأقصد بالغربان السود هؤلاء المتقولين على الله من أرباب التشدد والتنطع فى الدين، الذين يخالطون سماويته بأرضيتهم، وإلاهيته ببشريتهم، وتحضره بثقافتهم البدوية المتصحرة، فتجد نفسك أمام نسخة من الإسلام تستدبر الواقع، باعتمادها على التحريم والتفسيق والتبديع لكل شىء، ومن ثمّ تخاصم مصالح الناس ومعايشهم، وتُغل رقابهم بسوار غليظ منسوب زورا إلى السماء.


فالموسيقى كلها حرام، والنحت، والتصوير، والتمثيل، بل وتكبيرات العيد إن كانت جماعية أو جهرية، أو على الطريقة المصرية، وتجويد القرآن، وإنهاء قراءته بعبارة "صدق الله العظيم"، وحلق اللحية، والاحتفال بالمولد النبوى، وأعياد الميلاد، وعيد الأم، وشم النسيم، والاختلاط العام، وتهنئة غير المسلمين بأعيادهم، وكشف المرأة لوجهها، وخروجها للعمل، وولايتها على الغير، والقول بأن الأصل فى الإسلام التعدد لا الزوجة الواحدة، وأنه لا إذن للبكر الصغيرة فى زواجها، وأن الأرض مسطحة وليست كروية، وأن الشمس تدور حولها وليس العكس.. إلخ


والطريف أن هؤلاء المتقولين على الله يستندون فى تحريم الاحتفال بالمولد النبوى الشريف إلى حديث "من أحدث فى أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، رغم أنهم أكثر من أدخل فى الدين ما ليس منه، فابتكاراتهم فيه أصبحت ـ من رسوخها ـ مسلمات عند كثير من المسلمين الطيبين، مثل مسمى "الهدى الظاهرى" الذى يطلقونه على زى وهيئة محددة لم يأت بها الإسلام السماوى الذى تعمد ترك هذا "المحدد الثقافى" لشعوبه، كل شعب تبعا لموروثه الخاص، ومن ابتكاراتهم أيضا مسمى "الطب النبوى"، رغم أن الرسول ص لم يُبعث طبيبا، وما استخدمه فى حياته من وسائل استشفاء كان هو ذاته ما يستخدمه قومه قبله، طبقا لظروف الزمان والمكان وحدود المعرفة البشرية، ومن ابتكاراتهم كذلك مسمى "الخلافة الإسلامية" الذى جرت بسببه فيضانات الدم عنيفة دفاقة لـ"تأبيد" "المستبد العادل" فى الحكم، متجاهلين أن الإسلام لم يسم للمسلمين نظاما سياسيا معينا، تاركا هذا المُحدد ـ البالغ الأهمية ـ يتبدل بتبدل الظروف والزمان والمكان، فضلا عن أن التجارب المتتالية ـ بعد الراشدين ـ أكدت أن هذا المستبد لم يكن أبدا عادلا، وأن استمراء السلطة يقترن ـ حتما ـ بالفساد، إلى آخر هذه الابتكارات التى لم تدخل دينا لم تكن منه، بل أُدخلت فيها دينا لم يكن ـ أبدا ـ منها.


وبغض النظر عن هذه القضية ذات الصلة ـ قد يكون لى فيها مقالة أخرى ـ فإن هذه "الدكن البشرية" التى خالطت بياض الملة المحمدية لوثتها وأنتجت منها نسخة "محرفة"، تماما كالتحريف الذى طال الديانات السابقة، وإن سألتنى كيف تحكم على الإسلام بالتحريف وقد تكفل الله بحفظه؟.. أقول لك إن الله تكفل بحفظ "نسخة سليمة من الإسلام"، و"حفظ القرآن الكريم" بعيدا عن التدخل البشرى (بالإضافة والحذف والتعديل كما حدث فى الكتب السماوية الأولى) لكن هذا لا يمنع وجود "نسخ" "بشرية" من الدين تجاور النسخة "السماوية" السليمة.


من هذه النسخ البشرية المشوهة يرتد علينا القول الموسمى بـ"بدعية" الاحتفاء بذكرى مولد صاحب المقام الرفيع محمد صلى الله عليه وسلم ومن ثمّ "تحريمه" وتأثيم القائمين عليه، بدعاوى واهية، تتمحور حول عدم احتفال الرسول (ص) أو أحد الصحابة بهذه المناسبة، ومن ثمّ فهى بدعة، وعندما تسأل أحدهم عن طبيعة هذه "البدعة" إن كانت فى العبادات أم فى المعاملات، حيث إنها فى الأولى مرفوضة دون نقاش، فالعبادات كلها توقيفية ولا يجوز التعديل عليها، أما فى الثانية فمعلقة بمعيار الحسن أو القبح، وحين تردف السؤال بسؤال: ما القبح فى الاحتفال بذكرى مولد صاحب المقام الرفيع (ص)، لا تجد من المتقولين على الله إلا الجدل العقيم، فهم لا يناقشونك بحثا عن الحق أينما كان، وإنما يجادلونك لترتد أنت للحق الذى يملكونه وحدهم حصرا وقصرا.
وهنا لنا أن نتساءل:
أليس الاحتفال بمولد صاحب المقام الرفيع صلى الله عليه وسلم هو لون من ألوان الاعتراف له بالجميل؟
أليس الاعتراف بالجميل عمل من أعمال البر؟..
هل يأثم من يبر نبيه؟..
أليست هذه المناسبة هى أحد المواسم السبعة فى ثقافتنا المصرية للتزاور وصلة الأرحام.. فهل يأثم من يصل رحمه فى يوم مولد نبيه؟
ألا يربط هذا الاحتفال أشبال المسلمين بقائدهم الأعلى ربطا وجدانيا تغلفه المسرة بما يحمله من ألوان الطعوم والحلوى؟..
ألا تشكل هذه الحلوى نشاطا اقتصاديا كبيرا، فهى باب من أبواب الرزق يعمل المتنطعون على غلقه.
ألا وقى الله الإسلام شر هؤلاء أو هداهم
أما أنت عزيزى المسلم فاحتفل بمولد نبيك، وصل رحمك فيه ما استطعت، واجعله يوم فرح ومسرة لأطفالك ينتظرونه من العام إلى العام بشغف، فحب الرسول (ص) من أصول الإيمان، وقد أجاز الأزهر الشريف الاحتفال بمولده، لعدم وجود غضاضة فيه، ولكون النبى (ص) كان يصوم يوم الإثنين لأنه "يوم ولد فيه وبعث فيه بالرسالة" كما فى حديث عمر ابن الخطاب، ما يعنى أن الرسول كان يميّز هذا اليوم ويحتفى به أسبوعيا وليس سنويا.
وكل عام وأنت وذويك بخير..

 




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب