مواقع التواصل أو السوشيال ميديا تتيح لأى شخص أن يقدم أى حاجة، وتحت بند «منتج محتوى»، سواء كان محتوى مفيدا أو خفيفا مسليا أو إخباريا، وهى مساحات من الحرية غالبا ما تتاح للجميع، البعض يستعملها للبحث عن مشاهدات أو متابعين، وأموال بالطبع، والبعض الآخر يسعى لجذب الانتباه إلى نفسه بكل الطرق حتى لو بتقديم فقرات نوم العازب أو رقصة القرد، أو ابتكار خلافات ومعارك.
ومثلما يمكن أن تفيد السوشيال ميديا فى التواصل والتفاهم وتبادل الأفكار، لها أعراض جانبية، الفشخرة والبحث عن التريند بأى طريقة حتى ولو بالتنمر والنميمة، طبعا البعض يرى نفسه حرا فى تقديم صوره وفيديوهات فى الساحل أو فى المطاعم والأفراح وأعياد الميلاد أو حتى فى المياتم، لكن الأمر أحيانا يدخل إطار الفشخرة الزائدة بما يثير أنواعا من الأحقاد فى المجتمع الذى أغلبه من الطبقة الوسطى، ثم إنه لا يفيد فى فهم المجتمع وتحولاته، أو البحث عن معنى بعيدا عن تقديم هذا المحتوى الذى قد مثل خطرا اجتماعيا، فضلا عن أنه يؤثر فى نفوس مواطنين يعيشون ويبذلون جهدهم من أجل حياة كريمة.
وأقصد نوعا من المحتوى ليس له أى فائدة غير «العكننة على الناس»، ويقدمه مراهقون أو شباب صغار، لا يبدو أنه ينتمى لهذا «الكوميونتى» أو المجتمع فائق الثراء، ولا نقول «أثرياء جدد»، لأن الأثرياء الطبيعيين غالبا كما يمارسون حياتهم بشكل طبيعى، ومن دون ادعاء أو تعالى أو فشخرة، لكن هناك بعض منتجى المحتوى يقدم حوارات وأحاديث مع أولاد وبنات مراهقين ومراهقات، يوجهون لهم أسئلة عن مصروفهم اليومى، فيرد الولد أو البنت بأنه يحصل على «6K، أو 10K»، وهو ما يعنى 6 أو 10 آلاف جنيه مصروف يومى، والأمر نفسه عن سعر السيارة ونوعها، فيكون الرد حول ملايين، وهذه أسئلة يتم تسويقها وإعادة نشرها بشكل لا علاقة له بالفهم، لكنه يثير غضب وحزن من يتفرج عليها، خاصة لو كان طالبا مجتهدا أو شابا مكافحا، فهذه ليست كل مصر، ولا ما يسمى «جيل زى أو زيد» أو غيرهما، فلا يوجد ما يمكن تسميته جيلا كاملا يشترك فى صفات التكنولوجيا أو التعليم، بل هناك فروق طبقية أغلبية متوسطة، وأقلية ثرية جدا.
ومؤخرا، هناك نفس الشاب الذى يقدم هذا النوع من المحتوى التقى البنات والأولاد ليسألهم عن تكلفة «السبلايز» بداية العام، وهو اختراع تفجر قبل سنوات، وأصبح أحد عناصر الابتزاز التعليمى، المهم أن التلاميذ والتلميذات يجيبوا أن السبلايز خاصتها تكلفت 11K- 20K-25K»، وهى أرقام بالآلاف تضاعف من آلام المواطن المفرد الذى يتحدث عن مئات أو عدة مئات، بينما الفتيات والشباب يستحدثون عن عشرات الآلاف.
وهنا نتوقف عند من يسعون لإنتاج هذا المحتوى، فهم طبعا يريدون الفلوس من المشاهدات، لكنهم يقدمون محتوى يمكن أن يكون طريقا لنشر الإحباط، والحقد الطبقى، ونحن هنا نشير إلى أن مثل هؤلاء الشباب، يريدون صناعة محتوى خفيف، يفعلون ذلك من دون وعى، أو مع افتقاد الوعى، بجانب أنهم يقدمون نوعا من الفشخرة، التى تبدو تعبيرا عن طبقة من الأثرياء بلا سبب، يرمون أموالهم التى لا يتعبون فيها، ويمارسون استعراضا فجا، بينما أى ثرى طبيعى يعيش بنفس طريقة المصريين وهم ليسوا كذلك، وليسوا كلهم من غاسلى الأموال أو أصحاب الثروات الغامضة.
نكرر.. إننا لا نطالب بمنع هؤلاء قسرا، ولا تزال التحقيقات مع مروجى الإباحية ومنتجى المحتوى الغريب مستمرة، ونقول: لدينا ما يكفى من قوانين لمحاسبة من يخالف، لكن الأهم هو أن المنع قد لا يكون طريقا بقدر ما نحن أمام ظواهر من منتجى المحتوى قد تكون وقودا لحرائق نحن فى غنى عنها.
