السِّمَة تشكل اللبنة الأساسية، التي تُعد مرآة نرى في مسطحها ما يتعلق بخبرات وتجارب مر بها الإنسان؛ ومن ثم نصف السيكولوجية الخاصة بالشعوب، من خلال تاريخها الغائر، وعبر جغرافيتها المتفردة، ومن سماحة المعتقد، الذي يدل عليه سلوكيات بعينها، ومن هذا المنطلق نستطيع أن ندشن بكل ثقة وموثوقية مقارنة عادلة تؤكد المشاعر الجامعة، التي تزهر الوجدان، وتكون الرأي العام، وتحدد طرائق التفكير، ناهيك عن أمزجة تتوافق وتتناغم سجاياها في خضم تعاملات الحياة بمختلف تلوناتها.
عدالة المقارنة بين سيكولوجية مصرية، لها حضارة متجذرة، وتاريخ يحمل بين طياته أحداثًا مشرفة، وتراثًا زاخرًا بالمفاخر، وبين سيكولوجية الأمة الإسبانية، التي تنوعت حضارتها؛ فشملت في طياتها العصر الروماني، والقوطي، والإسلامي، والمسيحي؛ إنها دول لا تتفرد فقط بجغرافيتها، بل تتشابه في تقديرها لذاتها، وافتخارها بأمجادها، وقدرتها على تحمل الصعاب، ومقدرتها على اتخاذ قرارات مصيرية، تشكل سياج الحماية، لأجيال تلو أخرى، وتعد معبرة عن شخصية تأبى الانصياع، أو تقبل إملاءات، أو الخضوع لضغوط مهما تعالت أمواج التحدي والصعاب.
الحضارتان المصرية والإسبانية، ملامحهما متشابهة؛ حيث الانفتاح المنضبط على الآخر؛ فهناك منظومة القيم، التي تتبناها المجتمعات، وبواسطتها تحافظ على مقدراتها البشرية والمادية على حد سواء، وباتصافاتها، يتحلى المواطن المصري والإسباني، بقوة الجأش والصبر الجميل، ومحبة التعايش السلمي، والرغبة في الاستقرار، والميل لبلوغ النهضة والإعمار، وهذا يتجلى من ملامح حضارية، تبرز صفات مشتركة، يتأكد من خلالها صورة الشخصية المتزنة، التي تعتمد على الذات، وتتعاون مع الآخر بمرونة وحنكة.
السيكولوجيتان المصرية والإسبانية، تميلان إلى التدين؛ فالنزعة الوسطية لكليهما تؤكدان على معنى التصوف؛ حيث الإيمان بالمحاسبية، والمقدرة على تقييم وتقويم الذات، والعمل بإخلاص في شتى دروب الخير، وغرس كل ما يثمر، ويعود أثره الطيب على الإنسان، ناهيك عن صرامة التعامل فيما يخص الخلق والفضيلة؛ فلا سماح للتجاوز في حقهما، كما أن الخطوط الحمراء تنسج حيال احترام الأديان والمعتقدات، داخل المجتمعات وخارجها، وهذا ما مكن لتفهم وقبول وترجمة الاتصافات القيمية، التي نراها في سلوكيات الحياة المختلفة؛ فتجد الشعوب تتمسك بماهية الصدق، والأمانة، والتسامح، والإيثار، وغيرها من القيم التي تزيد من التآلف والتواد.
الروحانيات لها مساحة كبيرة في التركيبة المصرية والإسبانية على السواء؛ ومن ثم هناك نبذ لفكرة الإلحاد المعاصر بكل صوره، وهناك اشتياق للتقاليد الدينية، التي تعزز في النفس أطر المحبة، وتجعل الإنسان صلبًا، لا ينكسر أمام النوازل والصعوبات، كما أن النفوس تميل إلى السلوك الحميد، وتعارض ما يتنافى مع سياج القيم، وهنا وهناك يكثر الميل للزهد، ومجاهدة نزعات الشهوة، والمحافظة على أوتار تقرب الفرد من محراب العبادة، وتذهب بروحه لتأملات لا يستشفها غيره، ولا يتذوقها منْ لم يطلق العنان نحو الصفاء؛ فيعي الباطن دون اعتبارية للظاهر.
الشخصية المصرية والإسبانية، تقدسان الهوية الوطنية؛ ومن ثم يصعب النيل من كلاهما؛ حيث لا تتقبلان من يتعدى على أمنهما القومي، ولا تستمح للمعتدى أن يستمتع بما حاز على حين غرة؛ فتجد المقاومة سلاح يلتهم جموع الغاصب، والتمسك بالعقيدة سيف بتار، يدحض مقدرة الخصم على التحمل، وترى الاصطفاف خلف الوطن ومؤسساته تضير بمخططات الباغي؛ ومن ثم يصعب النيل من بلاد تعلو ثقافتها المنازع، وتفوق وجدانياتها الراسخة المناوئ، ويقع في عشقها من وطأت قدماه ترابها.
الطبيعة المصرية لا تُلقي بالًا للأزمات، ولا تسمح للتحديات أن تُحبط العزيمة، أو تُضعف الإرادة، أو تنال من الهمة، أو تُقلل من الجهد. وكذلك الطبيعة الإسبانية، فهي لا تقبل القهر أو الاستبداد، ولا تسمح بالظلم والجور، ولا تميل إلى المغالاة. ومن ثم نستطيع القول إن السيكولوجيتين تميلان إلى الوسطية في غالب الأمور، والسيكولوجيتان كلاهما تحترمان النظام الاجتماعي المتمثل في العائلة، التي يحتمي بها الإنسان، ويلجأ إلى حضنها في السراء والضراء، ولا يتقبل ما يعكر شأنها أو يضر بنيانها.
في ظل المقارنة السريعة بين سيكولوجيا البلدين، نتوقع نجاح الشراكة الاستراتيجية؛ حيث تتوافر الأرضية المشتركة، التي تؤهل فكرة التكامل، وتعزز ماهية الاستدامة، وتجعل هنالك رغبة في قبول التحدي، والوصول للغايات المنشودة، التي تصب في مصلحة الجانبين المصري والإسباني؛ فقد شاهدنا بعين البصيرة الدعم السياسي للقضية الفلسطينية، وصور النمو التجاري المتزايد، والتعاونيات المطروحة في المجال السياحي من كلا الطرفين، وتمويل المشروعات، وفق الخطط الزمنية التي طرحت، ناهيك عن إبرام العديد من الاتفاقات، التي شملت العديد من المجالات ذات الاهتمام المشترك.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر