أسامة الأشقر.. قصة أسير قهر بإرادته قضبان سجون الاحتلال على مدى 23 عاماً.. يحكى من القاهرة تفاصيل «أبواب الجحيم» الإسرائيلية.. ويصف أدوات التعذيب لكسر إرادة الفلسطينيين.. ويشرح كيف تدوس إسرائيل اتفاقيات جنيف

الأحد، 21 سبتمبر 2025 03:00 م
أسامة الأشقر.. قصة أسير قهر بإرادته قضبان سجون الاحتلال على مدى 23 عاماً.. يحكى من القاهرة تفاصيل «أبواب الجحيم» الإسرائيلية.. ويصف أدوات التعذيب لكسر إرادة الفلسطينيين.. ويشرح كيف تدوس إسرائيل اتفاقيات جنيف الأسير المحرر أسامة الأشقر

كتبت - منة الله حمدى - تصوير - كريم عبدالعزيز

ـ ويؤكد: أقسى لحظاتك عندما يساومونك على «أمك أو أختك أو زوجتك»

ـ المحرر فى صفقة الأسرى الأخيرة: مصر لها الدور الأكبر فى إتمام التبادل.. وتعلمت العبرية والفرنسية والإنجليزية داخل المعتقل.. وألفت كتابين «رسائل كسرت القيد» و«للسجن مذاقٌ آخر»

ـ البطل الفلسطينى يتحدث عن مصطلح «كى الوعى».. ويؤكد: بدأت قصة حب منذ 7 سنوات من داخل المعتقل أثناء زيارة «منار» لأخيها.. وسنعقد القران قريبا فى مصر

 

خلف قضبان المحتل الصهيونى، أنفاس تختنق؛ تسرق طيف الهواء لتعيش لحظاتها؛ فى أيام متشابهة تكتظ بالقسوة وآلام الفقد، أنّاتها تنطلق شوقًا للحرية، إنها قصص ومعاناة إنسانية تتجسد فى حياة الأسرى الفلسطينيين فى سجون المعتدى الإسرائيلى.

أسامة الأشقر  (2)

أوجاع القلوب الحبيسة التى حُرمت من دفء الأهل والعائلة؛ ومن نظرةٍ فى عين طفل وابتسامته البريئة، حُرمت من عبق زيتونة حنونة، طالما احتضنته وخبأته من عيون المحتل؛ إنها معاناة لا تقاس بالسنين ولكن بعمق لحظات تتمزق فيها الروح وتثقل من الانتظار والألم والحنين.

حكايات الأسرى الفلسطينين ليست متشابهة، فكل أسير فى السجون الإسرائيلية؛ حكاية متميزة وخاصة، لها آلياتها وتأثيراتها وتضحياتها الباسلة.

من بين القلوب التى تعذبت فى سجون المعتقلات الإسرائيلية، «أسامة الأشقر» الأسير المحرر، فى الصفقة الأخيرة لتبادل الأسرى التى كان لمصر الدور الأكبر فى إتمامها.


التقيناه فى القاهرة، وعرفنا كم هو بطل قادر على المقاومة والعيش والحياة.

أسامة الأشقر  (3)

ولد الأشقر فى صايدا إحدى قرى مدينة طولكرم الفلسطينية عام 1982، تلقى تعليمه الابتدائى فى قريته والإعدادى والثانوى فى المدينة.

انخرط «أسامة» فى العمل النضالى والدفاع عن وطنه فى سن صغيرة، حين التقطت أنامله الصغيرة أول حجر ليلقيه فى وجه المستعمر الغاشم بعد قيام انتفاضة الحجارة الكبرى بخمس سنوات عام 1992م، فاحتجز الطفل وكان سنه 10 سنوات لمدة ساعات خمس إلى أن جاءته أمه وتسلمته.

يقول «الأشقر»: منذ الأيام الأولى لتفتح أعيننا على الحياة رأينا جنود الاحتلال على أبواب منازلنا؛ دخلوها ودنسوها وعاثوا فيها فسادا وانتهكوا حرمتها، ومن هنا تبدأ حكاية كل طفل فلسطينى مع الاحتلال.

كبر أسامة وكبر بداخله حبه الأكبر لوطنه بالتوازى مع عدائه وكرهه للمحتل المغتصب لأرضه والحارق لزيتونته، فانضم إلى كتائب شهداء الأقصى وحركة فتح وكان يبلغ من العمر وقتها 16 عامًا، انضم لصفوف مناضلين عظماء ضحوا بأنفسهم من أجل وطنهم، انخرط الشاب فى العمل النضالى وطورد من قبل جيش الاحتلال لمدة سنتين حتى تم القبض عليه وأُسر فى 14 نوفمبر عام 2002.

 

الفرق بين سجن كبير وسجن خرسانى مظلم

يعيش الشعب الفلسطينى مقيد الحرية، كل يوم يتعرض لتنغيصات ومضايقات وتوسع للاستيطان وإجرام جنود الاحتلال الإسرائيلى والمستوطنين، والقتل والاعتقال، واغتصاب الأراضى والكثير من الإجراءات التى يقوم بها جيش الاحتلال، ففلسطين تعيش فى سجن كبير مقيدة حريتها.

لكن الأشقر يقارن بين السجن الكبير فى الهواء الطلق تحت السماء الزرقاء وعلى الأرض الخضراء، وبين سجن تحيطه الجدران الخرسانية وزنازين حديدية، ويقول لـ«اليوم السابع»: هناك تفاصيل مرعبة جدًا لما يحدث فى السجون من إساءات وإهانات وإعتداء على الكرامة الإنسانية، من اغتصاب وتجويع ومئات الجرائم التى يقوم بها السجانون داخل المعتقلات الإسرائيلية، فهناك فرق كبير أن تكون بين حضن أسرتك على أرضك حتى لو فى وجود احتلال وبين أن تكون بمفردك مقيدا ومكبلة حريتك، تلتمس الأمل فى خيط من الضوء الأبيض فى غرفة مظلمة كاحلة.

 

حياة فى قلب تابوت

داخل السجون فى اسرائيل، يحاول المعتقلون خلق الأمل فى قلوبهم ليتنفسوه رغم العدم ويستطيعوا العيش فى تلك الحياة القاسية، فالأسير الفلسطينى داخل المعتقل يعيش فى دولته الخاصة التى ابتدعها واقتصها وساوم عليها المغتصب الصهيونى. وكما وصفها «الأشقر»: هى نظام حياة؛ فيه من التنظيم والإدارة ما يفوق تنظيم الدول الكبرى، فمنذ عام 1970 م بدأ الأسرى الفلسطنيون فى محاولة لتغير واقعهم من خلال أن يفرضوا على إدارة سجون الاحتلال شروطًا جديدة تناسب حياتهم داخل المعتقل، من هنا بدأت فكرة «تنظيم الحالة الاعتقالية» أى وجود ما يسمى بالحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة وهى إمتداد للحركة الوطنية الفلسطينية خارج السجون ولكن بأطر مختلفة كالإضرابات المفتوحة عن الطعام؛ والتى تُعد مشروع استشهاد؛ لأنه من الممكن الاستمرار فى الإضراب حوالى شهر أو أكثر؛ قد يصل إلى 50 يومًا حسب الوضع السياسى والإقليمى وقتها، وحسب التفاعل الدولى وحسب طبيعة الحكومة الإسرائيلية الصهيونية، حتى تخضع إدارة السجن لمطالبنا. وأوضح الأسير الفلسطينى المحرر: يحدث ذلك من خلال الأسرى أنفسهم فهم مقسمون بطبيعة إنتمائهم قبل الاعتقال، ما بين حركة فتح، وحركة حماس، وحركة الجهاد الإسلامى، والجبهتين الشعبية والديمقراطية، حيث توضع برامج تنظيمية لكل تنظيم حسب طبيعته، وتجرى إنتخاباته الخاصة به داخل المعتقل بين الأسرى، ويفرز قياداته.

هذه القيادة تجتمع فى موعد تحدده هى داخل الزنازين، وتقرر البرنامج الحياتى الاعتقالى، وهو عبارة عن برنامج للحياة الداخلية، من المسؤول عن الشؤون الإدارية، والثقافية، والمالية، والتعليمية وتوعوية؛ ومن يرتب استقبال الأسرى الجدد، ومن يرتب الأكل والغذاء داخل الزنازين، من أجل أن يدخل الأسير الشاب الصغير الذى لا يملك أى خبرات ولا معرفه فيمر فى سلسلة الدورات التوعوية داخل المعتقل فيصبح مع الوقت كادرًا مهما من الخبرات يعتمد عليه، لقد وضع المعتقلون الفلسطنيون نظام ومنظومة كاملة داخل السجون لا توجد فى أى سجن فى العالم.

هذا النظام دفع ثمنه الكثير من قادة الحركة الأسيرة ممن عوقبوا وحرموا وعزلوا فى زنازين بمفردهم من أجل إضعاف الحركة الأسيرة وخلخلتها داخليًا ونشر الفوضى داخلها، ولكن يُصر الأسرى على الاستمرار وإستبدال قادة بقادة آخرين وتستمر الحياة التنظيمية والإعتقالية، هذا الفعل من التنظيم أنتج فيما بعد ما يسمى بـ«الحركة الوطنية الأسيرة».

 

الوجه القبيح للاحتلال

يواجه المعتقل الفلسطينى منظومة استعمارية تجيد استخدام أدوات التعذيب بتقنياتها التكنولوجيا الحديثة، أسماها «الأسير المحرر»: «أبواب الجحيم» فهى تبتدع الوسائل والأساليب للنيل من الأسرى الفلسطينين وتدميرهم، فهناك مراحل متعددة يمر فيها الأسير؛ كل مرحلة تتوافق مع شروط حياة مختلفة؛ فمثلًا فى مرحلة التحقيق يمر الأسير الفلسطينى بمراحل من التعذيب الجسدى والنفسى؛ ولاتكاد  تقتصر هذه الوسائل على أسلوب معين فلديهم طواقم متخصصة من الأطباء النفسيين وخبراء علم النفس والضباط الكبار الذين يتعاملون مع الأسرى لعشرات السنوات.

لقد تم إحصاء أكثر من ستة عشر وسيلة عنف جسدى، مثل الشبح فهناك 8 طرق للشبح وهو أن يصلب الأسير وهو واقف على قدم واحدة لمدة 10 ساعات متواصلة؛ أو أن يبقى الأسير مكبل اليدين والرجلين وظهره مثنى للخلف على شكل الموزة؛ ويطلق عليها هذا المسمى بالفعل»الموزة» لمدة 12 ساعة متواصلة، ومنها أن يبقى الأسير رافع اليدين وواقف على قدم واحدة مدة 10 ساعات، وغيرها، وعشرات الأساليب الأخرى من العنف الجسدى واللفظى والنفسى وهناك الكثير من الأساليب المتبعة لإذلال الأسير الفلسطينى.

 

صراع الإرداة والتحدى

يعانى الأسرى فى فلسطين داخل السجون صراع الإرداة والتحدى للعنف الذى يمارس عليهم على كافة المستويات، الأخلاقية والمعنوية والسياسية والإنسانية، كما وصف ذلك «أسامة الأشقر» الذى مورست عليه ضغوطات كثيرة.

ويقول الأسير المحرر: فى البداية حاولوا إظهار أنهم يتعاملون بطريقة لطيفة، ولكن سرعان ما تساقطت الأقنعة وظهروا على حقيقتهم فى غضون ساعات قليلة، لقد قايضونى على التعامل اللطيف المصطنع مقابل الإدلاء بشهادة عن أحد الشهداء كان مطاردا، وأصروا على ذلك خلال الـ 16 يومًا الأولى من التحقيق، ولكنى رفضت الحديث عنه وثبتت على موقفى، فبدأ التعامل يتغير سريعًا، ولكن فى عُرفهم إذا إنصاع الأسير مع طريقتهم وتجاوب معهم، يكون الأسلوب المتبع منهم هو أسلوب الضغط النفسى، وإذا رفض تنفيذ ما يطلبونه منه فعلى الفور تظهر أساليب العنف الجسدى الذى يستخدمونها ضد الأسير من أجل الإخضاع وإرغامه على الإعتراف.

يستكمل الأشقر: فى حالتى أنا تنوعت الأساليب حسب كل مرحلة، فى التحقيقات كان الأسلوب النفسى الهادئ والناعم، ثم سرعان ما تحول إلى أساليب التعذيب الجسدية، ثم أسلوب المخادعة واستدراجى لاستجلاب المعلومات.

واستطرد الأسير: الأصعب فى ذلك هو الضغط على الأسير من خلال أهله وهذا مورس معى أكثر من مرة، المساومة على الأم والأب ما أصعب أن ترى أمك فى يد المغتصب يساومك عليها فتضطر للتنازل، أو أبوك يضرب ويهان أمام عينك وأنت لا تستطيع إنقاذه من يد هؤلاء المحتلين الساديين، وهناك العديد من الأسرى تم إجبار زوجاتهم على الحضور داخل زنازين التحقيقات ومساومتهن لإجبار أزواجهم الأسرى على الإعتراف؛ واعترفوا بالفعل بأمور قاموا بها وأخرى لم يقوموا بها لتخليص زوجاتهم؛ وأحيانًا تكون المساومة على الأم أو الأخت، ولكن اليهود لا عهد لهم فيخرجوهن بعد تعذيب نفسى مؤلم لهن.

أى شىء ممكن أن يتجاوزه الأسير إلا تلك اللحظة التى يرى فيها أمه أو زوجته أو أخته فى يد غاصب يهودى  محتل.

 

يكتشف الأسير إرادته داخل المعتقل

تظل فكرة الصمود وصون الأسرار، رغم الندوب التى يتركها الإذلال والقمع والتعذيب المستمر هى قوة الأسير وسر نجاحه، فالأسير يكتشف عبقريته داخل الزنزانة، يتذكر «أسامة» المحرر من الأسر داخل السجون الإسرائيلية، فيقول «جلس أمامى أكثر من خمسة ضباط برتب مختلفة عالية وقالوا لى أنت ليس تحت التحقيقات ونود أن نفاوضك على فلسطين، فرديت عليه كيف لك أن تفاوضنى وأنا مكبل الأيدى، وفكوا يدى وبدأت أراوغهم فى الحديث حتى فشلت مفاوضاتهم معى، فكان التعذيب الجسدى واللفظى هو جزاء مراوغتى وبأشد الأساليب».

 

«كى الوعى» مصطلح إجرامى صهيونى

الفلسفة لدى الحركة الصهيونية ولدى دولة الاحتلال الآن هى ما يسمى بـ «كى الوعى» وهو مصطلح إسرائيلى ابتدعه أحد قادتهم يسمى «موشى يعلون» كان قائد أركان جيش الاحتلال؛ ويهدف هذا المصطلح إلى تغير أفكار الفلسطينيين ويحاول اختبار قدرتهم الذاتية، وتغيير أفكارهم من خلال الكثير من وسائل الترغيب والترهيب، وهذا ما نراه فى غزة الآن.

يشير «الأشقر» إلى أسباب ظهور هذا المصطلح قائلًا: يفعل الاحتلال ذلك الإجرام كى ينسى العالم الصورة التى ظهرت فى 7 أكتوبر 2023، هذا الجندى المكسور المذلول المداس على كرامته، وإخفاء تلك الأحداث رويدًا رويدًا وإبراز صورة القتل التدمير والمجاعة من أجل أن يصل الفلسطينى والعربى لقناعة مفاداها أنه لا فائدة مع هذا الاحتلال.

يبدأ ممارسة هذا المصطلح داخل السجون أولًا ثم يتطور تدريجيًا إلى خارجه ثم تعميمه فى الشارع الفلسطينى وتوسيعه على نطاق كبير، وما يحدث فى غزة والضفة الشرقية أكبر دليل على فكرة «كى الوعى»، ويتم التعامل داخل المعتقلات  الصهيونية انطلاقاً من عدة أبعاد كما حددها الأسير المحرر «أسامة الأشقر» من خلال تجربته حيث أمضى ما يقرب من 23 عامًا داخل السجون الإسرائيلية فوصف خطتهم لتدمير الأسرى الفلسطينين نفسيًا وحياتيًا وتحويلهم إلى عرائس ماريونت لا حول لهم ولا قوة يفعلون فيهم ما يشاؤون.

يتم احتجاز الأسير فى ظروف حياتية صعبة ليشعر بالندم على نضاله ومقاومته، كما أنهم يعظموا من أنفسهم ومن جبروت السجان وتصغير الأسير حتى يقتنع أنه مهزوم لا محالة، والأهم هو نشر الفتن بين الأسرى ومحاولة تفريغ الأسير من وطنيته وإنتمائه لبلده، كما أن أعينهم تراقب الأسير فى كل مكان حتى يتم تفريغ قوته وتخلق منه إنسان مهزوز.

 

كيف تدوس إسرائيل اتفاقيات جنيف أمام أعين العالم؟

وضع الاحتلال الإسرائيلى المقاومة فى خانة الإرهاب واستبدل القانون الدولى بالقانون العسكرى، وهناك الكثير من المطالبات للاعتراف بملف الأسرى الفلسطينيين؛ وإدراجهم  كأسرى حرب كما ذكرتها المواثيق والقوانين والأعراف الدولية، وجاء ذلك فى اتفاقية جنيف الثالثة والرابعة ومحكمة الجنايات الدولية بروما؛ وأيضًا محكمة العدل الدولية، وأوضح «الأشقر» أن إسرائيل ترفض إتفاقيات جنيف جميعها وتحديدًا الإتفاقية الرابعة والثالثة التى تتحدث عن حماية أسرى الحرب والشعوب الواقعة تحت الاحتلال، وقال: نحن ناضلنا كثيرًا من أجل أن يعترف بنا كأسرى حرب؛ وإسرائيل ترفض وتتعامل معنا كأنها فوق القانون الدولى. فكل ما يحدث داخل سجون الاحتلال يخالف القوانين والأعراف الدولية وينافى الأعراف الإنسانية وكل ما يتعارف عليه البشر من أمور أخلاقية وإنسانية، حيث يمارس القتل والاغتصاب والتجويع وكل الأساليب الوحشية تمارس داخل السجون الإسرائيلية.

أولها الزنزانة التى يحتجز فيها الأسير وهى عبارة زنزانه متر× متر مكانها تحت الأرض تشبه المقبرة فى ظلمتها ورائحتها الرطبة العفنة؛ يحتجز فيها أكثر من 20 معتقلا، لا يفرقون بين الليل والنهار إلا من ذلك الشعاع الذهبى الرفيع الذى يدخل من أعلى باب الزنزانة، أو حين يفتح السجان بوابته ليلقى علينا بعض اللقيمات، زنزانة تجمع بين الأسرى والقوارض والحشرات.

وتذكر «أسامة» واقعة حدثت مع أحد الأسرى المناضلين أثناء حديثه فأرخها قائلًا «الأسير رياض العمور كان محكوما  عليه بـ «11 مؤبد» فقد غرقت زنزانته بماء المجارى وفاضت ووصلت إلى المياه رقبته؛ وواصل بدون نوم ولا طعام ولا شراب مدة ما يقرب من أسبوع تقريبًا، حتى أصيب بأمراض جلدية وتنفسية بالإضافة إلى الإعياء نتيجة عدم الأكل والشرب وأصبح فى حالة نفسية سيئة.

 

زيارة الأهل حبل الأكسجين الذى قطعه السجان

لا يوجد متنفس للأسير سوى زيارة الأهل والعائلة، وحين تنقطع فكأنه إنقطاع لحبل الأكسجين عنه، الزيارة هى الصلة الوحيدة التى تعيد الأسير إلى إنسانيته، وتترك داخله اللمسات الإنسانية وعندما يمنع الاحتلال الأسير من الزيارة فإنه يسلبه ويسلخه من محيطه الاجتماعى؛ ما يعود بالأثر السلبى على الأسير.

وأكد «الأسير المحرر» أن الصهاينه يمنعون الزيارة عن الأسرى وخاصة منذ أكتوبر 2023، حيث يمنع الاحتلال التواصل مع الأهل  بتاتًا ما يجعلهم معزولين عن العالم معذبين يموتون فى  كل لحظة ألاف المرات.

 

أسرى يحصلون على الدكتوراه

رغم المأساة والمعوقات التى يعيشها الأسرى الفلسطينيون فى السجون الإسرائيلية فإن هناك العديد من قصص النجاح وخاصة فى إكمال التعليم والدراسات العليا، وتعلم أدوات الكتابة الأدبية والشعر والتطوير الذاتى.. يقول «أسامة الأشقر»: المعجزة هنا أن تبدع وأنت فى أشد وأكلح الظروف، بالرغم من المنع والحرمان والقهر والعذاب الشديد، إلا أنه هناك طرق إبتدعها الأسرى فى تعليم وتثقيف وتوعية ذاوتهم، واستطاعوا بالفعل اكمال الدراسة.

 

روايات كتبها الأشقر فى السجن

وعلى سبيل المثال أنا دخلت المعتقل وأنا فى المرحلة الثانوية وخرج منه بعد 23 عامًا، من اليوم الأول كنت شغوف بالقراءة والتعليم، تعلمت العربية والفرنسية والإنجليزية والعبرية وأدوات الكتابة المختلفة، حتى لاحت فى ذهنى كتابة المقالات الصحفية السياسية؛ ثم طورتها وأعدتُ كتابين حول السجن وظروف الاعتقال من بدايته وحتى المرحلة الأخيرة وهى الحرية، ثم جاءت فكرة كتابين «رسائل كسرت القيد وللسجن مذاقٌ آخر» الصادرين عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام، حيث كنت أهرب أوراق الكتب أثناء الزيارة، كى تطبع وتنشر.

وبصوت تملؤه الحصرة على شباب داخل السجون الإسرائيلية تمارس عليهم أشد أنواع التنكيل والتعذيب، أكد «الأشقر» أنه منذ 7 أكتوبر 2023 لم تعد هناك أى ممارسة للأنشطة التعليمة ولا للحركة الوطنية الأسيرة، هناك حملة شرسة جدًا تطال كل تفاصيل الحياة داخل السجون، حتى ممارسة الطقوس الدينية ممنوعة نهائيًا.

 

الحب فى زمن الظلمة

لا يستطيع الإنسان أن يعيش بدون الحب، ودقة القلب التى تبعث الروح فى الصدور، فرغم ما يراه ويعيشه الأسير فى السجن الإسرائيلى فإذا لامس قلبه البارد حرارة الحب أدفأته لتبعث فيه الحياة من جديد وتنثر بذور الأمل ليخطوا فوقها ولتحمله وتهون عليه شدته، إنها «منار» التى أنارت عتمة زنزاته، وأشرقت حياته.

يتحدث «الأشقر» عن حُب عمره قائلًا «منار هى الشىء الجميل فى حياتى، والوردة التى غُرست فى حقل مليئ بالأشواك، تعرفت على منار منذ 7 سنوات وأنا فى المعتقل، ابن خالها «بهاء» زميل الاعتقال وللأسف ما زال هناك صاحب الفضل فى هذا الحب، أول مرة رأيتها كانت فى زيارته وأحببتها من النظرة الأولى، طالما حدثنى عنها «بهاء» كثيرًا، وحدث منار وأهلها عنى أيضًا.

 

أمنيات المسقبل فى حياة الأسير المحرر

وأنهى أسامة الأشقر حديثه لـ«اليوم السابع» قائلًا «لحظة الخروج من المعتقل لا يمكن أن توصف، لحظة ولادتى من جديد، رؤية نور الدنيا بدون سجان يسلط سلاحه نحوى لا يمكن وصفها، لحظة تقبيل جبين أبى لا يمكن وصفها، لحظة احتضان أمى لى وتخبئة وجهى فى حضنها لا يمكن وصفها، رائحة زيتونتى التى أعادتنى لقوامى من جديد، إنها الحياة، لقد خرجت من المعتقل فى صفقة لتبادل الأسرى الأخيرة التى كان لمصر الدور كبير فى إتمامها.

وما أتمناه أن أسير بخطوات ثابتة نحو المستقبل، وأن استكمل دراستى العليا وأتمم مرحلة الدكتوراه وإعداد كتابى الجديد الذى سينشر قريبًا، أما حلمى الأكبر هو عودتى إلى بلدى ووطنى فلسطين.

أسامة الأشقر  (1)



أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب