لقد أثبتت الأيام صدق الرؤية المصرية التي طالما نادت بأن الوحدة والتكاتف العربي هما السبيل الوحيد لمواجهة الأطماع الإسرائيلية المستمرة، والمتجددة، فالأحداث الأخيرة جاءت لتؤكد أن مصر كانت وما زالت السند والداعم الأول للأشقاء العرب، انطلاقًا من إيمانها الراسخ بوحدة المصير، وفي المقابل، تثبت الولايات المتحدة مرارا وتكررا أنها لن تتخلى عن دعم إسرائيل بكل قوة، حتى وإن جاء ذلك على حساب استقرار المنطقة وأمن شعوبها، ومن هنا، بات واضحًا أن الاعتماد على التضامن العربي والإسلامي هو الخيار الوحيد لحماية السيادة وصون الكرامة بل الوجود فى حد ذاته.
وقد شهدت القمة العربية الأخيرة قناعة كبيرة بأنه لن يحك جلدك إلا ظفرك، إذ اجتمع القادة العرب وقادة العالم الإسلامي على كلمة واحدة ضد العدوان الإسرائيلي فالحادث جلل، والاعتداء على دولة عربية ذات سيادة هو خرق لكافة القوانين والأعراف الدولية، واستكمالا للغطرسة الإسرائيلية بمباركة وتشجيع من حاضنتها الأمريكية، فلم تعد الكلمات الرنانة، والهتافات الخطابية تجدى، فالأمة تواجه تحديا وجوديا، يهدد بقاءها، فانتهاك سيادة دولة بمثابة انتهاك لكافة الدول، وبالفعل كانت كلمات القادة القوية خير تعبير عن مدى الغضب والاستنكار لما حدث، فلم تعد التهديدات التي تواجه منطقتنا خافية على أحد، والأطماع في موارد العرب وأراضيهم لم تتوقف يومًا، بل ازدادت شراسة مع تصاعد المخططات ضد الأمة العربية ومقدراتها، وفي خضم هذا المشهد، برز درس كبير أمام الجميع أن الوحدة والتلاحم العربي هما السلاح الحقيقي لمجابهة هذه التحديات، أما الاعتماد على الولايات المتحدة أو غيرها من القوى الأجنبية لحماية الأمن القومي العربي فلن يجدي نفعًا، خاصة مع وضوح الارتباط العضوي بين الأجندة الأمريكية والمصالح الإسرائيلية.
انتهت القمة، ولم تكن بمثابة منصة لتبادل كلمات الشجب والإدانة، بل وضعت تحديا حقيقيا أمام القادة، أن تتحول التوصيات والقرارات إلى فعل على الأرض، فقد سئمت الشعوب من بيانات الشجب والتنديد، ولم تعد تقبل إلا بخطوات عملية، والمطلوب اليوم هو آلية تنفيذية تعكس أن التضامن لم يعد رفاهية بل صار شرطا للبقاء، فى مواجهة الصلف الإسرائيلى المتهور وغير المسبوق، وأن التنسيق العربى الاسلامى فرض عين وحتمية وجودية لحماية السيادة والكرامة العربية والإسلامية.
الرئيس السيسى قال بوضوح إن الممارسات الإسرائيلية تجاوزت كل منطق سياسى وعسكرى وتخطت كافة الخطوط الحمراء، وأدان العدوان على قطر بأشد العبارات، مشيرا إلى أن استهداف دولة تضطلع بدور محورى فى الوساطة مع مصر والولايات المتحدة لإنهاء حرب غزة يعكس طبيعة حكومة نتنياهو المنفلتة التى لا تحترم أى جهد للسلام وتتعمد إفشال كل فرص التهدئة، وهنا يكتسب الخطاب المصرى أهمية مضاعفة، فهو من ناحية يمثل تضامنا كاملا مع قطر، ومن ناحية أخرى يمثل فضحا مباشرا لسياسات إسرائيل أمام العالم.
لقد جاءت كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال القمة بمثابة جرس إنذار مدوٍ، إذ اتسمت بالوضوح والصراحة، معبرة عن حالة من الضيق والغضب المصري تجاه ممارسات الاحتلال الإسرائيلي وتهديداته المستمرة لأمن المنطقة واستقرارها، مؤكدا أن الممارسات الإسرائيلية تخطت كافة الخطوط الحمراء، والأهم من ذلك أن استخدام الرئيس المصري لمصطلح "العدو" لم يكن عفويًا، بل رسالة مباشرة للشعب الإسرائيلي بأن السياسات التي ينتهجها بنيامين نتنياهو لا تضع إسرائيل إلا في خانة العداء، خصوصًا مع إصرارها المتكرر على تقويض كل العهود والمواثيق الموقعة مع الدول العربية.
الموقف القوي لمصر والقادة العرب وقادة العالم الإسلامى، عبّر بوضوح عن إدراك جماعي أن الخضوع والاستسلام لن يؤدي إلا إلى مزيد من الانحناء وفقدان الكرامة، بل وقد يصل الأمر إلى ضياع الأوطان نفسها. هذه الرسالة الجماعية حملت بين طياتها تصميمًا على أن زمن الصمت والرضوخ قد ولّى، وأن المرحلة المقبلة يجب أن تكون مرحلة الفعل لا الأقوال.
الحراك العربى الحادث الآن يجب أن يكون بداية لتحرك عربي جاد، لا يكتفي ببيانات الشجب أو كلمات التضامن، بل يجب أن تتحول التوصيات إلى خطوات عملية على الأرض،فالشعوب العربية لم تعد تقبل بالبيانات التقليدية، بل تتطلع إلى قرارات حاسمة تحمي الكرامة والسيادة، وهنا يتجلى مفهوم الأمن الجماعي العربي والإسلامي كشرط للبقاء، وليس مجرد خيار سياسي، بل يرتقي إلى بناء منظومة عربية موحدة قادرة على حماية مقدراتها والدفاع عن حقوقها، إن الاستقواء بالخارج لم يكن يومًا حلًا، بل كان دائمًا مدخلًا لمزيد من الهيمنة والتفكك.
ومصر، التي أثبتت دائمًا أنها الحصن المنيع للأمة، ستبقى الداعم والسند وكتفًا بكتف مع أشقائها العرب ، إيمانًا منها انطلاقًا من إيمانها العميق بوحدة المصير والتحديات، وأن المستقبل لن يُصان إلا إذا ارتفعت راية الوحدة فوق كل الخلافات وأن التكاتف الصادق هو السبيل الوحيد لحماية حاضرهم ومستقبلهم.