إذا صنفنا الأبرز فى إنجازات القيادة السياسة الحالية- وهى عديدة- فيأتى فى المقدمة قرار إعادة تأهيل وتسليح الجيش المصرى، انطلاقا من الفطنة، وقراءة المشهد فى المنطقة، واستشراف المخاطر الجسيمة التى تهدد أمن الإقليم برمته، مبكرًا، وسابق بمراحل لقدرات هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم خبراء استراتيجيين، يتحدثون بأسلوب رائع، ويستخدمون مصطلحات رنانة أمام كاميرات الفضائيات والصحف، بينما تصطدم كل نظرياتهم وأطروحاتهم ومبادراتهم بأرضية الواقع الصلبة، متحطمة إلى «فتات» ذرته الرياح!
البداية، وكون الرئيس عبدالفتاح السيسى رجلا عسكريا، شغل مهام وزير الدفاع، كان يتملكه يقين أن الجيش المصرى هو عمود الخيمة، ليس فى مصر ولكن للمنطقة العربية بأثرها، وأن التاريخ شاهد على أن الجيش المصرى دائما حاضر عند الملمات، وفى كل حراك خطير تشهده المنطقة منذ غزوات التتار وحتى تاريخه.
لذلك تفرغ، وفى صمت، للاعتكاف على إعادة تأهيل القوات المسلحة على مستوى الأفراد، والتسليح، ونجح بالفعل، فى هذه المهمة الحيوية، وأتت ثمارها بقوة الآن، ويمكن التأكيد أن مصر فى الآونة الأخيرة صححت وضعا خاطئا، ومسارا منحرفا، عندما اتجهت إلى تنويع السلاح، واقتناء كل ما هو متطور ورادع.
يمكن الجزم أيضا بأن قوة جاهزية الجيش المصرى صنعت فارقا استراتيجيا وعسكريا، فى وقت وزمن قياسى، ورفض الخضوع لكل أنواع الابتزاز التى مورست عليه من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، واتجه إلى روسيا والصين وفرنسا وألمانيا بجانب بريطانيا، ليعدد مصادر تسليحه.
التسليح كان وفق خطط واستراتيجية عسكرية متطورة، رُعى فيها طبيعة الميدان القتالى، وطبيعة الجغرافيا، المتمثلة فى مياه وصحراء مسطحة، فكان الاهتمام بامتلاك قوة بحرية عظمى، ومنظومات دفاع جوى معقدة قادرة على الردع، وقوات جوية تمثل ذراعا طولى تسيطر على السماء، بجانب قوات برية متدربة تدريبا قتاليا عاليا، وتمتلك أسلحة قادرة على بسط سيطرتها بكل سهولة ويسر.
ولا ننسى عملية تسليك الشرايين فى طول البلاد وعرضها، المتمثلة فى شبكة الطرق والأنفاق والكبارى، القادرة على مساعدة الجيش المصرى على الانتشار فى ساعات قليلة.
وحينها ومنذ 2015 على وجه التحديد بدأت أبواق جماعات وتنظيمات هدفها العبث من أمن واستقرار البلاد، فى ترديد الأسئلة الخبيثة من عينة: «هو الجيش بيشترى سلاح ليه؟» وأن السؤال بنصه ورد على ألسنة الذين قدموا أنفسهم على أنهم قامات عامة وعلمية شهيرة، ليس داخل الحدود المصرية فحسب، وإنما على المستوى الإقليمى والدولى، الذين نصبوا أنفسهم المالكين الحصريين للفهم.
انبرت جماعة الإخوان فى التخطيط لشن حملات التشويه للجيش المصرى، وإلصاق به اتهامات وقحة، وتشعر بأن سؤال «هو الجيش المصرى بيشترى سلاح ليه؟» وُضع فى غرف الموساد الإسرائيلى، وعندما انطلق «طوفان 7 أكتوبر 2023» الذى أغرق جزءا كبيرا من الجغرافية العربية تحديدا، خرجت نفس الوجوه التعيسة، وبمنتهى الوقاحة طرحت أسئلة «أين الجيش المصرى مما يحدث فى غزة» وكأن جيش مصر تحت أمرتهم، يشوهونه متى يريدون، ويستجيرون به ويستنهضون هممه عند الحاجة الملحة، ولا يعلمون أن المؤسسة العسكرية ذات التاريخ العريق فى الدول الكبرى، بشكل عام، ومصر بشكل خاص، تحكمها عقيدة وأدبيات متجذرة فى أعماق التاريخ.
وفى ظل ما تتعرض له المنطقة من انفجارات حمم بركانية خطيرة، لا بد أن نثمن رؤية النظام الحالى، وإدراكه مبكرا لحجم المخاطر التى تهدد الأمن القومى المصرى، لذلك أعد العدة، بتسليح الجيش وتنوعه، وتطوير أدائه، على كل المحاور الاستراتيجية، شمال شرق وشمال غرب والجنوب، أرضا وجوا وبحرا، وإنشاء قاعدتين محوريتين، محمد نجيب فى الشمال الغربى، و«برانيس» فى الجنوب، وانتشار الجيش فى سيناء «شمال شرق»، وفى المقابل مطلوب من كل الذين هاجموا تسليح الجيش المصرى، وشككوا وسخفوا منه، عليهم الاصطفاف، وتقديم الاعتذار العلنى، والتطهر من دنس التشويه، وليس الاعتذار عن خطأ ربما بنى على سوء تقدير، ومن الفضيلة أن يتطهر الإنسان من دنس الشك والريبة.
نعمة الجيش القوى، وإدراك أن «لايحك جلدك إلا ظفرك» وضحت الآن مثل وضوح الشمس فى كبد السماء.