من كيدهم يُصنع قدرك

لا تخشَ تدبير الناس، فمهما بلغت خططهم دقة ومكرًا، فهي لا تتجاوز مشيئة الله، قد يظنون أنهم يمسكون بخيوط مصيرك، ويرسمون لك طرقًا معتمة، لكن الحقيقة أن الله وحده هو من يكتب النهاية، يبيّتون لك شرًا، فيُصبح هو ذاته طريقًا للخير، وسلّمًا للرفعة، وسببًا لما كنت تظنه بعيدًا.

تأمل قصة موسى، حين أراد فرعون أن يقتله وهو طفل، فشاء الله أن يربّى في قصره، وعلى مائدته، وتحت رعايته، وماذا عن يوسف؟ دبّر له إخوته حفرة في الجُب، وأرادوا له الغياب والنسيان، فإذا به يخرج منها إلى القصر، ومن القصر إلى العرش، هم أرادوا طمسه، والله أراد له أن يُضيء أركان التاريخ.

كم من مرة خطط الناس لك شرًا، فجعل الله لك فيه مخرجًا وجبرًا، هم يحفرون لك الحفر، والله يحولها إلى جداول ماء تشرب منها راحة، وطمأنينة، ويقينًا جديدًا، لا تُنهك قلبك بالتفكير في من يدبرون ضدك، ولا تُتعب عقلك بمتابعة خطواتهم، فما يدبرونه لك هو جزء من إرادة الله، لا يتجاوزها شيء، ولا يقوم لها شيء.

توكل، وطمئن قلبك، وثق أن ما يُدبَّر في الأرض لا يُنفَّذ إلا إن وافق تدبير السماء، وإن كان لك في الشر خير، فسيصلك من حيث لا تحتسب، وإن كان الشر شرا فقط، فإن الله هو الحامي والستّار.

دع الأمر كله لله، ولا تهتم بأهل المكر، فما خاب من جعله وكيلاً، وما ضلّ من استودع تدبيره له.