عادل السنهورى

متحف سيد درويش ومناشدة لوزير الثقافة

الثلاثاء، 16 سبتمبر 2025 03:22 ص


احتفلت مصر بالأمس  بذكرى الرحيل الـ102 لفنان الشعب خالد الذكر سيد درويش. المفارقة أنها المرة الأولى بعد مرور قرن من الزمان يتم فيها تكريم امام الملحنين والمجددين ومفجر الثورة الغنائية في مصر بصورة رسمية بعد أن أعلنت الدولة ممثلة في وزارة الثقافة والوزير الدكتور أحمد فؤاد هنو، تخصيص يوم 15 سبتمبر من كل عام ليكون (اليوم المصري للموسيقى)، ووضعه ضمن الأجندة الثقافية والفنية المصرية، وليواكب ذكرى رحيل فنان الشعب ومجدد الموسيقى المصرية الموسيقار الكبير سيد درويش.

الاحتفال جاء في اطار حرص الدولة على تعزيز مكانة الموسيقى المصرية باعتبارها أحد أهم روافد الهوية الوطنية، وركيزة أساسية من ركائز القوة الناعمة لمصر الذي يعتبر ما أحدثه سيد درويش فيها بموسيقاه وألحانه وأغانيه الوطنية والاجتماعية والعاطفية الركيزة الأكبر.


احتفال ويوم سنوي يليق بصاحبه الذي تعرض للمطاردة والحصار والتجاهل في حياته وحتى بعد مماته من سلطات الاحتلال الإنجليزي وسلطة القصر في عهد الملك فؤاد. فقد قاد سلطات الاحتلال الإنجليزي ضده والأسرة العلوية الحاكمة حملة ممنهجة لتشويه سيرته بعد أن ألهب حماس المصريين في ثورة 19 بأغانيه الوطنية من أجل الجهاد والحرية حتى ارتبط اسمه باسم الثورة  فأطلق عليه المصريون اسم فنان الشعب الذي غني للثورة وللفلاحين والعمال والصنايعية والباعة والبنائين والحمالين وللحلوة اللي قامت تعجن في الفجرية.


صادروا  أغانيه وطاردوه في المسرح ووجهوا الرقابة الى حذف مقاطع من أوبريتاته وتغيير أسماءها. حارب الاحتلال بصوته وموسيقاه وفى كل موقع وفي كل مناسبة ولم يتوقف عن اطلاق مدافعه الغنائية ضد الاحتلال واستنهاض همة الشعب وتحريضه على استمرار الثورة في الوقت الذي دخل فيه " الوفد" في مفاوضات مع سلطات الاحتلال البريطاني


كرهه الانجليز كما كرهه الملك فؤاد وحاشيته، فقد رفض درويش أن يغنى فى حضرة «صاحب الجلالة الملك فؤاد المعظم»، في قصره وأمام الأمراء والوزراء لأنهم طلبوا منه حذف لفظ «سعد زغلول»، ، من النشيد الذى أعده لاستقبال زعيم ثورة 1919 عند عودته من المنفى، ويضع مكانه لفظ فؤاد فيغنى «مصر وطنا.. فؤادها أملنا» بدلا من «مصر وطنا.. سعدها أملنا»، ورفض رغم اغراءه بمبلغ مائة جنيه كان سيتقاضاها من القصر نظير غنائه، كما رفض أن يلقب «بمطرب الملك»، وفضل أن يكون فقيرًا ولكنه «فنان الشعب».


يوم وفاته الذي تصادف يوم عودة سعد من المنفى يوم 15 سبتمبر عام 1923 حملوه إلى مثواه ولم تحتفي به الدولة ولا الصحافة خوفا من سلطات الاحتلال وسطوة الملك فؤاد وحاشيته


والمحزن أن المؤتمر الأول للموسيقى العربية والشرقية الذى عقد في القاهرة في الفترة ما بين 28 مارس و3 ابريل عام 1932  تجاهل تكريم الرجل الذى أحدث الثورة الحقيقية في الغناء العربي في القرن العشرين، وحرره من القصور والإسفاف.  وجعله مثل الماء والهواء تتنفسه كافة طوائف الشعب. التجاهل كان سببه أن المؤتمر كان تحت برعاية الملك فؤاد الذي ساهم بقطعة أرض في انشاء " نادي الموسيقى العربية " قبل أن يصبح " معهد الموسيقى العربية" ووضع حجر الأساس له في عام 23 وكان من المنطقي عدم تكريم سيد درويش الذي هاجم الملك والاحتلال وتفاديا الصدام مع سلطات الحكم التي سعت الى تشويه سمعته.


في مناسبة الاحتفال الرسمي باليوم المصري للموسيقى في ذكرى رحيل سيد درويش يثار جدل حاليا حول متحف فنان الشعب في منزله بحي كوم الدكة- أو ما تبقى منه- بمدينة الإسكندرية. ففي شهر مايو الماضي أطلق عدد من المتطوعين مبادرة أهلية لتحويل المنزل الى متحف خاص بموسيقار الشعب. صاحب المبادرة شاب سكندري اسمه مينا زكي مؤسس مبادرة " سيرة الإسكندرية" الذي توصل الى اتفاق مع شخص اسمه الحاج علي شتيوي مالك الأرض الذي كان يقام عليها منزل سيد درويش لإقامة المتحف بعد أن تردد أن الحاج على اشترى الموقع من ورثة سيد درويش في ستينيات القرن الماضي.
عقب الاتفاق، تم تأسيس مؤسسة سيد درويش، وهي مؤسسة أهلية غير هادفة للربح، تتولى إدارة المتحف وجمع مواده الأرشيفية، وقد بدأت الحملة بتبرعات فردية أسهمت بجمع 250 ألف جنيه كتمويل مبدئي. ووفقا ما قاله مينا ذكي مؤسس المبادرة فقد تم التوصل الى اتفاق مع الورثة بعد 5 سنوات من النقاشات ومحاولات إقناعهم بالفكرة.


لكن منذ يومين تلقيت اتصالا من المهندس خالد حسن البحر درويش – حفيد فنان الشعب – ينفي فيه التوصل الى اتفاق بين مؤسسي المبادرة وورثة سيد درويش وأنه وشقيقه حسن من أسرة الموسيقار الراحل أصدرا بيان نيابة عن أسرة سيد درويش تنفي صلتها بوصفها الحارس القضائي على تركة تراث وتركة الموسيقار خالد الذكر بالدعوة لجمع تبرعات مالية لإقامة المتحف، وأنه لا علاقة لها من قريب أو بعيد به، وإنها في ذلك "تستنكر التوسل بالدعوة لجمع تبرعات مالية غير مصرح بها قانوناً، باستغلال اسم الجد الموسيقار، فمثل ذلك يمثل إساءة لسيرة وسمعة ومكانة الموسيقار سيد درويش ونيلًا من حقوقه الأدبية المحمية أبدياً بموجب المادة 143 ثالثاً من قانون حماية الملكية الفكرية، رقم 82 لسنة 2002."


فضلًا عما تعلمه الأسرة من أن المنزل الذي ولد فيه الجد بحي كوم الدكة، مدرج في مجلد جدول المباني ذات القيمة المتميزة والتراثية، المحظور هدمها إلا بموافقة الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، كما أنها لا تعلم ما إذا كان أصحاب هذه الدعوة قد استحصلوا على موافقة وزارة الثقافة والسياحة على إقامة هذا المتحف بوصفها الجهات المختصة من عدمه


ولما كانت سمعة ومكانة الموسيقار سيد درويش قد خلدت نفسها في التاريخ من خلال دوره الرائد في تطوير الموسيقى العربية، وفي إنشاده للاستقلال الوطني لمصرنا الحبيبة، فإن الأسرة تعلن أنها لا علاقة لها بمثل هذه الدعوات السابقة.


خلال المكالمة الهاتفية طلب مني المهندس خالد، مناشدة الدكتور أحمد فؤاد هنو وزير الثقافة بأن تتولى الدولة ممثلة في وزارة الثقافة مهمة إقامة المتحف التي تستحقه سيرة المبدع الكبير "سيد درويش"، وأن أسرة سيد درويش تضع كافة إمكانياتها ومقتنياته وأعماله تحت تصرف الدولة المصرية. فإقامة متحف لفنان الشعب مهمة وطنية تتولاها الدولة وليست مسئولية أشخاص أو مبادرات. وتطلب الأسرة أيضا من جميع الجهات المسئولة وعلى رأسها وزارة الثقافة، ومحافظ الإسكندرية، وجمعية المؤلفين والملحنين المصريين، التدخل للنظر في قانونية الدعوة ومشروعية إقامة المتحف، مما يجمع تبرعات مالية سيئة إلى مكانة وسمعة علم من أعلام النهضة الموسيقية في مصر.


هذه مناشدة من أسرة فنان الشعب سيد درويش في اليوم المصري للموسيقي . وأتمنى أن يستجيب وزير الثقافة الدكتور أحمد هنو.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب