هارون الرشيد يتولى الحكم.. هل جاء بعد صراع؟

لم يكن التاريخ الإسلامي، خصوصًا في عصره العباسية، يخلو من لحظات فارقة صنعتها الصراعات على الحكم، ففي الوقت الذي ازدهرت فيه الحضارة العباسية علمًا وفكرًا واقتصادًا، ظلّت الخلافة تعاني من نزاعات داخلية بين أبناء البيت الواحد، لتترك آثارًا سياسية وعسكرية غيّرت مسار الدولة. ومن أبرز تلك الصراعات ما دار بين الأمين والمأمون، ابني الخليفة هارون الرشيد، والذي تحوّل من عهد أخوي مؤكد بالمواثيق داخل الكعبة إلى حرب ضروس انتهت بسقوط بغداد ومقتل أحدهما.

هارون الرشيد يتولى الحكم

حين تولّى هارون الرشيد الحكم، سعى منذ وقت مبكر إلى ترتيب ولاية العهد بين أبنائه، فاختار الأمين وليًا للعهد، وأوصى بأن تؤول بلاد المشرق إلى أخيه المأمون. وقد وثّق هذه العهود في الكعبة المشرّفة أثناء حجه سنة 186هـ، ليؤكد على مكانتها وقدسيتها. لكن ما إن رحل الرشيد حتى تحولت العهود إلى مصدر صراع دموي.

الأمين، وقد اعتلى الخلافة صغيرًا، حاول أن يؤمّن الحكم لابنه موسى من بعده، متجاوزًا بذلك حق أخيه المأمون. هذا القرار أشعل غضب المأمون الذي كان في خراسان، فاستند إلى دعم أهلها وجمع حوله جيشًا كبيرًا. وسرعان ما اندلعت حرب بين الأخوين استمرت أربع سنوات، استخدمت فيها المنجنيقات وحوصرت بغداد حتى سقطت. وفي النهاية، قُتل الأمين ليدخل المأمون بغداد ظافرًا ويتسلم زمام الخلافة.

ومع أن خراسان كانت مركز قوته الأول، ورغبة الفرس كانت أن تبقى مرو عاصمة الخلافة العباسية، إلا أنّ الظروف أجبرت المأمون على الانتقال إلى بغداد، بعد أن اشتعلت فيها الثورات ضده. وهناك أحكم قبضته على الحكم، لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ الدولة العباسية، كان عنوانها التوتر بين العرب والفرس، وتغيّر موازين القوى في قلب الخلافة.